أخيرة

دبوس

لا تطالبني بأن أكون نسخة عنك
ولن أطالبك بأن تكون نسخةً عني
لن يحدث أن تتمكن خلايا سرطانية في جسد مخلوق بشري من التمدّد باضطراد حتى تلتهم كلّ شيء في هذا الجسد، ويترتب على ذلك، جسد يتكوّن من خلايا سرطانية بالمطلق، وفي ذات الوقت، يبقى الحامل حياً، نواميس كونية، لا يمتلك المخلوق منها فكاكاً…
الجسد يتكوّن من خلايا متنوّعة، خلايا مخية، خلايا جذعية، خلايا عظام، خلايا دم، خلايا عصبية، خلايا غضروفية، خلايا دهنية، خلايا جلدية ألخ… تتناغم مع بعضها بسياق سيمفوني متناسق، فتحدث الحياة وتستمر بدون أن يعتدي أيّ منها على الآخر، بل هي تمارس عملية تعاون واتّساق عضوي يفضي الى نجاح الجسد في البقاء على قيد الحياة بطريقة صحية وبكفاءة عالية.
كذلك فإنّ البليون الذهبي، الذي يريد، كما يصوّر له عقله المبتذل الواهم، الأنجلوساكسوني ان تنكفئ الطبيعة المتنوعة للوجود البشري، وتفسح المجال له فقط ليبقى محمولاً على هذه المعمورة، لأنه كما يرى، الأولى بأن يبقى، لمقتضيات تفضيلية، وعلى من هو دونه في معيار تفضيليته المارقة القاصرة، ان يزول وان يتلاشى، وصفة قاتلة تنمّ عن قصور مذهل في المقدرة على فهم هذا الكون، وعلى إدراك هذا التنوّع الفطري الذي جبلت عليه الحياة على سطح هذا الكوكب…
لا تطالبني بأن أكون نسخة عنك، ولن أطالبك بأن تكون نسخة عني، كلٌّ يمتلك فرادة في ما يتطلّب منه دوره الوظيفي في هذا الكلّ، ولا يمكن أن يتخلّى الكلّ المطلق عن أيّ من هذا التكوين لأنّ تواجد أي مكوّن كان هو من منطلق الضرورة الوظيفية لهذا المكوَّن.
هكذا تنضبط نواميس وقوانين الكون، فالضرورة يترتب عليها التواجد في ما يحصّل إلى منفعة ومتطلبات الحياة المتّسقة، ولن تعير المصلحة المطلقة أيّ انتباه الى دعوات قاصرة ناشزة، وان تمادت تلك التوجهات واستفحلت، فإن الذي سيدفع الثمن في النهاية هو الحامل، وهو في حالتنا هذه، هذه الأمّ الرؤوم التي تُدعى الأرض.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى