الأوهام في مواجهة حقائق «الحزام والطريق» و«بريكس»
} أحمد بهجة*
ما صدر عن قمة العشرين الأسبوع الماضي في نيودلهي بشأن الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يحتاج إلى متابعة دقيقة قبل إطلاق الأحكام بفشله أو نجاحه، لكن الانطباع الأوّلي والفوري لدى المراقبين والمتابعين هو أنّ الإعلان عن هذا الممرّ إنما حصل بشيء من التسرّع، لأنّ الولايات المتحدة أرادت الردّ على ما تمّ إنجازه في قمة بريكس في أواخر شهر آب الماضي، رغم أنها تخطط منذ زمن لكي يكون لها ما يوازي «مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين قبل سنوات وتحقق من خلالها الكثير من النجاحات والإنجازات.
قبل الدخول في التفاصيل لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مجموعة الدول العشرين ومجموعة بريكس التي أصبحت تضمّ 11 دولة، (منها 7 دول أعضاء في مجموعة العشرين)، هما مجموعتان لا يزال الطابع الاقتصادي غالباً عليهما، لكن السياسة لا تكون بعيدة في معظم الأحيان عن المداولات والتوجهات وبالتالي القرارات.
الملاحظة الأبرز هي أنّ مجموعة الدول العشرين لا يمكن، أو على الأقلّ من الصعب جداً، أن تجمع في ما بينها روابط سياسية كاملة، باعتبار أنّ هذه المجموعة تضمّ الدول الكبرى المتنافسة عالمياً بشكل حادّ جداً وصولاً أحياناً إلى الحرب كما هو حاصل في أوكرانيا مثلاً…
والمجموعة تضمّ: الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا (ومعلوم أنها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي)، إضافة إلى أستراليا، كندا، البرازيل، جنوب أفريقيا، ألمانيا، الأرجنتين، إيطاليا، تركيا، اليابان، الهند، اندونيسيا، كوريا الجنوبية، المكسيك، السعودية، والاتحاد الأوروبي. وخلال الاجتماع الأخير تمّت دعوة الاتحاد الأفريقي ليكون عضواً دائماً في المجموعة.
كذلك لم تقم مجموعة دول بريكس على أساس سياسي، بل يغلب عليها أيضاً الطابع الاقتصادي، لكن لا شيء يمنع تطوّرها مع الوقت، كما حصل مع الاتحاد الأوروبي الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي كسوق أوروبية مشتركة بعدد محدود من دول أوروبا الغربية أبرزها فرنسا وألمانيا رغم ما كان بينهما من عداوة وحروب، لكن إرادتهما مع الشركاء الأوروبين الآخرين جعلت السوق تتوسّع لتضمّ دولاً جديدة، ولتصل لاحقاً إلى مرحلة الاتحاد الأوروبي الذي نعرفه اليوم.
وإذا كان المجال هنا لا يتسع لعرض كلّ التفاصيل المتعلقة بما سُمّيَ الممرّ التجاري بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط، فإنّ ما يمكن قوله اليوم هو أنّ هذا المشروع كان بحاجة إلى إنضاج قبل التسرّع في الإعلان عنه، فقط من أجل تسجيل نقطة إعلامية في مواجهة ما تحققه الصين في مشروعها الكبير «الحزام والطريق».
هنا يطرح المتابعون الكثير من الأسئلة أبرزها عن غياب دول أساسية جداً عن هذا المشروع، إذ كيف يمكن تحقيقه إذا لم تكن على خارطته باكستان وأفغانستان وإيران، وكذلك مصر والعراق وسورية… رغم أنّ بعض هذه الدول ليست في خانة الخصومة مع الولايات المتحدة، وكان يمكن تأجيل الإعلان عنه إلى أن تنضج الظروف الملائمة لذلك، علماً أنّ بعض هذا الإنضاج يبدو كثير الصعوبة إذا لم نقل إنه مستحيل، إذ انّ المشروع يفترض اكتمال التطبيع العربي والخليجي تحديداً مع كيان العدو «الإسرائيلي»، بينما نحن نعيش اليوم عصر صعود المقاومة ومحورها المنتصر في كلّ المنطقة.
بينما نرى في المقابل أنّ مشروع «الحزام والطريق» هو مشروع حقيقي يسير إلى الأمام ولو أنه أحياناً يبطئ مساره لظروف موضوعية معروفة، مثل الأوضاع في سورية ولبنان التي تحول دون قدوم الشركات الصينية الكبرى التي تحتاج إلى الاستقرار لكي تقوم بالاستثمارات الكبيرة المطلوبة في سياق المشروع الكبير… لكن ذلك لا يمنع المراقبين من القول إنّ الصين استطاعت رغم كلّ شيء أن تخطو خطوات كبيرة جداً على طريق تحقيق أهدافها الكبرى، والأدلة على الإنجازات كثيرة جداً… من تطور الشراكة الاستراتيجية مع روسيا إلى توسيع مجموعة بريكس والاضطلاع بدور أساسي في القارة الأفريقية وصولاً إلى درّة التاج المتمثلة برعاية الاتفاق السعودي ـ الإيراني، بكلّ ما لهذا الاتفاق من دلالات وأبعاد… وهو إنجاز كبير تعجز الولايات المتحدة عن الإتيان بمثله.
ولن يطول الوقت كثيراً حتى يجد أرباب «مشروع الممر التجاري» أنفسهم مجبرين على استرضاء منافسيهم الأساسيين في «مبادرة الحزام والطريق» لكي يحصل تكامل بين المشروعين، لأنّ الممرّ لا يمكن أن يمرّ في إطار صدامي مع أبرز دول المنطقة والعالم…
*خبير مالي واقتصادي