رحيل أمّهاتي الأربع…
} المهندس باسل قس نصر الله
كنتُ محظوظاً أنْ كانت في حياتي عدّة أمّهات.
فأمي «كيتا» التي وَلَدتني، و»إيفيت» أخت أمي التي ربّتني والتي أدين لها بالفضل الكبير، وخالتي «جانيت»، و»هدى» أمّ زوجتي، التي تجرّأت وأعطت ابنتها إلى شاب صغير لم يبدأ حتى بالسير في طريق مستقبله.
رحمهم الله تلكَ اللواتي كانَ لهنَّ الفضل في تشكيلِ شخصيّتي وتعليمي وتثقيفي وبناءِ عائلتي.
لكلِّ واحدةٍ منهنَّ ذكريات معي، ومن كلِّ أمٍّ أخذتُ شيئاً.
فأخذت من أمي التي ولَدَتني شخصيّتها الاجتماعية وسرعة بديهتها، وعلّمتني خالتي «إيفيت» – التي بقيت عزباء وربّتني في حلب لأنّ أهلي في اللاذقية – فكانت قاسية بتدريسها، وتنهرني بلهجةٍ قوية عندما أردّد شعر المدرسة بتعثّر: «لا أريد القراءة مثل تكسير الحَطب، أريد القراءة مثل كَرْج المي». وإلى الآن أترحّم عليها عندما أتكلّمُ الفرنسية، فكانت لا تتساهل معي ويسارع كفها إليّ إنْ أخطأتُ، فتقول وهي «تشبطني» كفّاً: إنك أمانة من والديك.
أما خالتي «جانيت» التي لم يمنحها الله أولاداً، فكانت تعتبرني أنا وأخي «سامر» – الذي عاش عندها – أولاداً لها ولزوجها وكانا يأخذاننا كلّ يوم «أحَد» ببرنامجٍ ثابتٍ تقريباً للزيارت والنزهة والمطاعم.
نأتي إلى «حماتي هدى» ذات الشخصية الاجتماعية القوية والحضور الآسر، وهي التي زوّجتني ابنتها وبقيت حتى مرضها تُحَمّلنا ما لذّ وطاب من الطعام، وكانت هي التي تقوم بتجهيز قوالب «الكاتو» في أعياد ميلاد أولادي، والتي عاش عندها ابني البكر «إميل».
لقد خانتها صحتها مدة ثمانية سنوات ولكن لم تخُنها الذاكرة ولا العقل الرجح، ولا قوة الحضور.. وكانت تسأل ابنتها «هل ستعملين لي قالب كاتو في عيد ميلادي المقبل»
هؤلاء الحلبيات هنّ الأمهات في حياتي.
يقول نيوفيطوس إدلبي، مطران الروم الكاثوليك في حلب ما معناه:
«قد لا تكون امي أجمل النساء ولكني أحبها لأنها أمي… وقد لا يكون وطني أجمل البلدان ولكني أحبه لأنه وطني…
فكيف تريدون مني أن لا أحب سورية مثل أمي وأنا لي أربع أمهات.
اللهم اشهد اني بلّغت…