حلقة من مؤامرة…
} مأمون ملاعب
يسخر وليد جنبلاط من فكرة المؤامرة ويستهجنها ويعتبرها وهماً عند من يدّعيها. كثير من السياسيين والمحللين وأتباعهم يبرّرون الأمور من خلال المظهر المباشر ولا يقبلون دراسة وتحليل ما لا يظهر، بل يذهبون إلى اعتبار «نظرية المؤامرة» حجة لدى البعض عندما يحتاجون إلى تبرير فشل أو خسارة أو عجز.
لا يمكن بحث الموضوع بالمطلق لكن رفض الفكرة من الأساس يجعل من الرافضين أحد أدوار المؤامرة، فعلى سبيل المثال، رفض فكرة مؤامرة إسرائيلية أميركية في حدث ما هو تبرئة لهما، ولكي نبقى ضمن المنطق فإن لصق ايّ ضرر أو عجز بالعدو يُعتبر هروباً من المسؤولية أو الدور المطلوب.
في تعريف المؤامرة هي عمل يتقصّد الضرر لجماعة أو هيئة أو دولة أو أمة تحت ستار التمويه أو التضليل بحيث لا يظهر المخطط للعلن وتكون الأهداف عميقة وراء المظاهر. فبعد تعيين الهدف، أو الأهداف، تأتي الخطة وفريق العمل وأخيراً التنفيذ. ولكي نستدلّ ونتقصّى الحقيقة علينا أن نسلك درب المحققين في جريمة ما: الأدلة، المستفيد، الظروف الموضوعية والإمكانيات والوسائل، إضافة إلى عاملَي الزمان والمكان.
لندخل في صلب الموضوع…
الظاهر والمعلن أنّ بداية الحراك في السويداء هي المطالب المعيشية وعندها يرضخ الجميع لحقيقة تردّي الوضع المعيشي ويبرّر البعض للحراك. أما في الأدلة فنرى…
1 ـ لماذا المطالبة بالحكم الذاتي وشعار السويداء حرة؟ ما علاقة ذلك بالوضع المعيشي؟ هل يساعد الحكم الذاتي في تحسين اقتصاد سورية المتدهور والسويداء جزء منها؟ أو هل يعطي الحكم الذاتي اقتصاداً مستقلاً للسويداء يحسّن أوضاعها؟ ام أنّ الإنعاش موعود من خارج؟
2 ـ الصفة التي تجمع المتظاهرين مذهبية، والأعلام المرفوعة مذهبية، فهل من علاقة بين المذهب والحالة المعيشية؟ ام لأنّ المذهبية تقود إلى صفة تخدم المطالبة بالحكم الذاتي؟ وتشكل العصبية التي يحتاج الحراك إليها؟
3 ـ لماذا لم يندّد المتظاهرون بالاحتلالات الأجنبية وعلى رأسها الاحتلال الأميركي لمنابع النفط ومناطق الجزيرة، وهي بالتالي تحرم الشعب السوري من موارده وتشلّ اقتصاده؟ النفط السوري، وهو حق للشعب السوري يكفي حاجات الدولة ويقي الشعب من البرد ويحسّن سعر العملة الوطنية، ولا نسمع تنديدًا بذلك!
4 ـ لماذا أعلن الجهاد ضّد إيران وحزب الله وما علاقتهما بالوضع المعيشي المتردّي؟
بالانتقال إلى المستفيد من الحراك يجب الإنتباه إلى…
1 ـ مسألة الكيان الطائفي أو المذهبي،
حاول الفرنسيون إقامة دولة للدروز وأخرى للعلويين (باعتبار أنّ لبنان للموارنة) إبان الانتداب ولم ينجحوا بذلك. خلال حرب السنتين في لبنان سعت الجبهة اللبنانية إلى تقسيم لبنان (لم يعد دولة للمسيحيين) وإقامة كيان مسيحي صغير ولم تنجح بذلك، ثم عاودت «إسرائيل» الدفع في ذلك الاتجاه بعد تهجير المسيحيين من مناطق جبل لبنان الجنوبي حيث الأكثرية الدرزية.
بعد أن احتلت الولايات المتحدة العراق خرجت منه تاركة خلفها دولة ممزقة إلى أجزاء ثلاثة: كردية، سنية، وشيعية ثم عادت إليه عاملة على تكريس التفتيت.
خلال حرب تموز 2006 على لبنان أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس «أنّ الحرب هي مخاض ولادة شرق أوسط جديد»، لم تقل لبنان جديد مثلاً (سرّبت خرائط الشرق الجديد) وكان أحد أهداف الحرب طرد شيعة جبل عامل…
قبل قيام «دولة إسرائيل» حاول الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية تفتيت مجتمعنا إلى كيانات ذات طابع مذهبي لكي تكون الدولة اليهودية المزمع إقامتها «شرعية» بين دول مثيلة لها وتكون المسيطرة نتيجة الدعم عسكرياً واقتصادياً.
هل المطالبة بـ «السويداء الحرة»، أو الحكم الذاتي يتماهى مع مخططات الأعداء؟ هل من طرف آخر يحتاج إلى دول أو كيانات مذهبية؟
2 ـ نجحت المؤامرة الغربية الصهيونية بداية القرن الماضي بزرع «دولة إسرائيل اليهودية» على أرضنا (ولا أظنّ أنّ أحدا يستطيع القول إنّ ذلك ليس مؤامرة).
المشروع لم ينتهِ هناك عام 1948، الكيان المستحدث يحتاج إلى ضمانات في وسط محيط معادٍ. الضمانات هي المحافظة على تفوّق الكيان المستحدَث وإبقاء أعدائه ضعفاء أو إلغاء العداوة (إنهاء قضية فلسطين).
حرب الأيام الستة عام 1967 أكدت بوضوح ليس التفوّق الإسرائيلي مقابل الضعف العربي وحسب، إنما انحياز العالم العربي والأمم المتحدة لصالح العدو. دولة احتلت أجزاء من دول في المنظمة ولم يتحرك أحد لتصحيح الخلل! كما لم يتحرك أحد في مسألة النازحين الفلسطينيين قسرا!
أما حرب 1973 والتي شكلت تهديداً نسبياً للتفوق الإسرائيلي دفعت بالولايات المتحدة للمعالجة فسحبت مصر من الصراع وقدّمت للعدو جبهة جنوبية مسالمة. لم تكتفِ بحياد مصر بل حوّلتها إلى شريك مع العدو في تصفية القضية.
الأمر نفسه لم ينجح مع الشام والتي كانت السند الرئيسي للمقاومة في لبنان، ولذلك اجتاحها «الربيع العربي» بحثاً عن الديمقراطية والإصلاح!؟ والغاية تفكيك سورية وتغيير موقعها القومي.
هل ما يجري في السويداء يوافق هذا الغرض؟
3 ـ حزب الله يمثل مقاومة لبنانية حاول العدو التخلص منها ولم ينجح. وخلال حرب تموز أعلنت الولايات المتحدة أنّ الحرب لن تتوقف حتى سحق حزب الله، ولم تصل إلى ذلك، بل ارتدّ الأمر عكسياً على ربيبتها.
مؤامرة اغتيال رفيق الحريري أدّت إلى إخراج الجيش السوري من لبنان، وبعد ذلك بدأ الصياح والنباح الداخلي والخارجي على سلاح الحزب من العدو والولايات المتحدة وأزلامها ومن وكلائها في الخليج وأتباعهم.
هل إعلان الجهاد ضدّ حزب الله يضع أصحابه في خانة هؤلاء؟
أما في الزمان والمكان لا بدّ من التذكير أنه مع بداية الحرب العالمية على الشام عام 2011، والتي اتخذت طابع «الثورة» بشعارات إسلامية متطرفة كان الشعار: الموت للدروز أسوة بالعلويين، ودافعت السويداء عن نفسها متعاونة مع الجيش السوري ضدّ المهاجمين الآتين من درعا وصدّتهم. اليوم زال خطر التكفيريين عن السويداء فأصبحت شريكة مع درعا في مطالب ضدّ الدولة!
أخيراً يستاء البعض من لغة التخوين لكن المداراة أخذت مداها ولم تفلح. ليس سوى الحقيقة دواء. من يناصر المشروع الصهيوني خائن، إنْ قصد فهو عميل خائن وإنْ لم يقصد فهو ساذج غبي…
المواقع (السياسية أو الاجتماعية) لا تصنع المقامات بل تصنعها المواقف، وقيمة البطولة حين تؤيدها صحة العقيدة في نصرة الحق ومواجهة الباطل، ومن لا يعرف العار لا يعرف الشرف…