هل تدخل الصين على خطة المصالحة السورية التركية؟
ناصر قنديل
الاهتمام الصيني بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد تلبية لدعوة الرئيس الصيني جين شي بينغ واضح. الطائرة التي نقلت الوفد الرئاسي السوري هي الطائرة الرئاسية الصينية تعبيراً عن الحفاوة والتكريم، وعند الوصول حشود مراسم وفرق فولكلورية وشبابية تلوح بالأعلام وتطلق البالونات تخصّص عادة لاستقبال كبار الضيوف، وتقارير صحافية وتلفزيونية تستعيد تاريخ سورية في طريق الحرير القديم والعلاقات التاريخية بين الصين وسورية، فماذا تريد الصين من الزيارة، وما هو معنى التوقيت؟
ليس جديداً أن الصين وقفت مع سورية الى جانب روسيا، في كل مرة استخدم الثنائي الروسي الصيني حق الفيتو الذي صار يُعرَف بالفيتو المزدوج، في كل مرة حاولت الثلاثية الأميركية البريطانية الفرنسية استصدار قرار ضد سورية عن مجلس الأمن الدولي، لأكثر من عشر سنوات، هي عمر الحرب التي تعرّضت لها سورية بقرار أميركي. وطوال هذه السنوات واكبت الصين بتصريحات ومواقف مؤسساتها القيادية وشخصياتها الحكومية كل محطات الأزمة السورية تعبيراً عن دعمها للدولة السورية، ومنذ زيارة وزير الخارجية الصينية لدمشق قبل عامين وضعت الصين جهوداً جدية لإقناع مصر والسعودية بأهمية إعادة المقعد السوري في الجامعة العربية للدولة السورية والتمهيد لحضور الرئيس السوري القمة العربية التي عقدت قبل شهور، وحضرها الرئيس الأسد. كما حاز الوضع في سورية نصيباً من التشاور الصيني السعودي الإيراني من ضمن مباحثات التحضير للاتفاق السعودي الإيراني تحت الرعاية الصينية.
بالمقابل لم تترجم الصين هذا الالتزام السياسي الى جانب سورية بخطوات اقتصادية بحجم ما يتوقعه السوريون، في ظل أزمة غير عادية تسببت بها العقوبات الأميركية والغربية على سورية، والاحتلال الأميركي الذي ينهب ثروات النفط والغاز، بينما تمتلك الصين الكثير لتفعله، بخلاف روسيا وإيران اللتين ساهمتا بحدود الاستطاعة، وفي ظروف صعبة تعيشها الدولتان، لمساعدة سورية على الصمود. والصين أهم دولة في العالم لجهة المقدرات المالية والاستثمارية. وسورية تقع جغرافياً في العقدة الذهبية التي تتنافس على الحضور فيها كل دول العالم، سواء كممر إلزامي من الشرق إلى الغرب منذ غابر الأيام، وبوابة ميسّرة للانتقال عبر تركيا إلى أوروبا بخلاف كل البدائل الوعرة، وهي نافذة استثنائية على البحر الأبيض المتوسط، وبدا أن هناك تريثاً صينياً بترجمة موافقتها على طلب سورية بالانضمام الى خطة الحزام والطريق قبل عام ونصف.
التوقيت هو الذي يمكن أن يقدّم تفسيراً للاهتمام الصيني، وبالتالي لنقلة نوعية صينية بالاهتمام بسورية اقتصادياً واستثمارياً ومالياً وتجارياً. وفي التوقيت حدثان، الأول ظهور مشروع الممر التجاري الهندي الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند، باعتباره منافس خطة الحزام والطريق الصينية، والطريق البري من الشرق الى أوروبا الذي يعبر باكستان وإيران، نقطة تفوق صينية لا تملك مثلها الهند، ومن إيران طريق العبور البرّي عبر العراق وسورية الى تركيا وأوروبا، ممر طبيعي إلزامي، رغم وجود حدود برية إيرانية تركية وعراقية تركية، لكن وعورتها تجعلها مستبعَدة أمام مشاريع النقل العملاقة، خصوصاً مشاريع سكك الحديد، بخلاف الامتداد السلس السوري التركي ساحلياً، وسهولة العبور بين العراق وسورية، إضافة لميزة الوصول الى البحر المتوسط التي توفرها سورية، لكن العقدة هي التأزم في العلاقات السورية التركية.
هنا تأتي في التوقيت الإشارة الثانية، وهي الإعلان عن مبادرة إيرانيّة، لا تبدو الصين بعيدة عنها، تردم الفجوة في مساعي المصالحة السورية التركية، عبر دعوة سورية إلى قبول تعهد تركي بالانسحاب من سورية بضمانات إيرانية روسية، لإنجاز المصالحة وتتويجها بقمة رئاسية تركية سورية، بدلاً من إنجاز الانسحاب كشرط طرحته سورية، وبالمقابل دعوة تركيا إلى قبول تعهّد سورية بضمان أمن الحدود التركية عبر الأراضي السورية، بضمانات إيرانية روسية موازية لبدء جدولة الانسحاب من سورية، بدلاً من اشتراط انتهاء مصادر التهديد الآتية من جماعات كردية مسلحة تتخذ من الأراضي السورية تحت الاحتلال الأميركي قواعد لها، ومعلوم حجم التنسيق الإيراني مع الصين كما كشفه الاتفاق الإيراني السعودي، وحجم التعاون والتنسيق الروسي الصيني، وكانت آخر جولاته لقاء الرئيس الروسي بوزير الخارجية الصيني قبل أيام، فهل تستعدّ الصين لرعاية اتفاق تركي سوري أسوة برعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، والرئيس التركي كان أول المعترضين على الممر الهندي داعياً دول المنطقة إلى تنسيق أي خطوة تتصل بمشاريع التجارة بين الشرق والغرب، مع خطة الحزام والطريق الصينية؟