إلى متى تستمرّ واشنطن والفريق الموالي لها في رفض العودة إلى التسوية؟
حسن حردان
كشف الحديث عن احتدام الخلاف بين أطراف اللجنة الخماسية والذي سرّب عن اجتماعها الأخير في نيويورك، أنّ الولايات المتحدة الأميركية، التي أخذت قراراً بتفجير التسوية في لبنان اثر اندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، عبر دفع الرئيس سعد الحريري لتقديم استقالة حكومته التوافقية، كشف ذلك أنّ واشنطن لم تقرّر بعد، أو أنها لا تزال تقف وراء تأخير العودة إلى صيغة التسوية التي تنهي الصراع المتفجر بين جميع الافرقاء، على الرغم من أنها تدرك جيدا أنّ محاولتها إحكام سيطرتها الكاملة على كلّ مفاصل السلطة في لبنان، ومحاصرة وعزل وإضعاف حزب الله المقاوم وتهميش حلفائه قد فشلت، وانّ حزب الله نجح، عبر تكتيك ذكي، في احتواء الهجوم الأميركي، وأحبط محاولة تأليب بيئته الشعبية ضدّ المقاومة وسلاحها، من خلال خطة سياسية واقتصادية واجتماعية اسقطت خطة الحصار الاقتصادي الأميركي التي استهدفت زيادة معاناة الشعب اللبناني وتجويعه وفي المقدمة منه بيئة المقاومة.
ولهذا طرح السؤال مجدّداً، إلى متى تستمرّ واشنطن في رهانها على تغيير المعادلة السياسية، وهل بالأفق من إمكانية لان ينجح استمرار حصارها في تحقيق أهدافه في إضعاف القوة الشعبية الداعمة والحاضنة للمقاومة؟
في الإجابة، هناك رأيان:
الرأي الأول يقول بأن واشنطن لم تقتنع بعد أنّ حصارها الاقتصادي قد فشل في بلوغ أهدافه وانه لا جدوى من الاستمرار في سياسة الضغط على الشعب اللبناني لتعديل موازين القوى وفرض الشروط الأميركية والسماح للبنان بالخروج من أزمته، بل هي لا تزال تعتقد بأنّ مواصلة تشديد الحصار لإيصال لبنان إلى وضع أسوأ مما هو عليه الآن من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية سيؤدّي إلى توفير المناخات التي تمكّن الإدارة الأميركية من فرض رئيس موال لها وإعادة إنتاج السلطات على نحو يقصي حزب الله وحلفاءه عن المشاركة فيها، وبالتالي يسهل على واشنطن اتخاذ القرارات التي تنسجم تماماً مع أهدافها وتوجهاتها المعادية للمقاومة خدمة لكيان الاحتلال الصهيوني..
الرأي الثاني، يرى أنّ واشنطن وصلت إلى قناعة بفشل خطتها الانقلابية في لبنان، وانّ موازين القوى السياسية والشعبية لا تسمح لها بإقصاء المقاومة وحلفائها عن السلطة، وبالتالي لا مخرج من حالة الفوضى والشلل الحاصلة اليوم في لبنان، بسبب الحصار الاقتصادي الأميركي، إلا بالعودة إلى صيغة التسوية التي كانت قائمة قبل الإطاحة بحكومة الرئيس الحريري، ولهذا فإنّ موقف واشنطن الحالي بعرقلة التسوية، إنما يعود إلى انها تريد إعطاء بعض الوقت للقوى الموالية لها لأجل التدرج في التراجع عن سقوفها العالية، وقبول الدخول في الحوار والتسوية..
ولذلك مهما طالت مدة تأخير العودة إلى خيار التسوية فإنّ موازين القوى لن تتغيّر لمصلحة الفريق الموالي لأميركا، بل على العكس هناك احتمال بأن تميل كفة هذه الموازين الداخلية لمصلحة فريق المقاومة وحلفائها، خاصة إذا ما توصّل حوار حزب الله والتيار الوطني الحر إلى اتفاق، فعندها سوف تصبح هناك أغلبية نيابية لمصلحة هذا الاتفاق الذي يتضمّن انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً…
من هنا فإنّ رهان الفريق اللبناني، الذي يتبع التوجيهات الأميركية، على تبدّل الموازين لمصلحته، إنما هو رهان لن يكتب له النجاح.. في حين أنّ واشنطن، المعروف عن سياستها بأنها براغماتية، قد تفاجئ هذا الفريق بالعودة الى قبول التسوية مع الفريق الوطني المقاوم لإدراكها بأنّ هذا الخيار هو الأفضل بالنسبة لها لانه يضمن الحفاظ على نفوذها في السلطة من خلال دفع الفريق الموالي لها للنزول من أعلى الشجرة والتخلي عن مواقفه القصووية، وبالتالي قبول الانخراط بالتسوية حتى لا يكون خارجها وبالتالي يفقد نفوذه داخل السلطة، مما ينعكس سلباً على النفوذ الأميركي…