الصين عنوان التحوّل الحاكم في المنطقة
ناصر قنديل
– ثمّة تسارع في الأحداث الإقليمية، والتحوّلات كبرى، ومَن يجمع أحداث العام في المنطقة، سوف يجد أنها بحجم ونوع لم تشهده المنطقة منذ الحرب الأميركية على العراق واحتلاله. ومنذ مطلع العام عصف بالمنطقة زلزال بحجم الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني الصيني، ومعلوم حجم تداعيات وقف المواجهة بين السعودية وإيران، وقد شكّلا لأكثر من عقد قطبين جاذبين لاستقطاب حاد في المنطقة كانت البيئة التي تولّدت عنه مصدر تغذية كل الحروب والنزاعات، وكان كيان الاحتلال والتشكيلات الإرهابية أكثر المستفيدين من هذا الاستقطاب، حيث قدّمت التنظيمات الإرهابية خطابها بصفتها المدافع عن الأغلبية السنية التي تواجه تهديداً شيعياً صاعداً في المنطقة، وقدّم كيان الإحتلال خطابه على قاعدة أن المواجهة مع إيران هي عنوان الاستقطاب في المنطقة وليست القضية الفلسطينية هي المحور، وأنه على أساس هذا الأساس يقف الكيان وأغلبية شعوب وحكومات المنطقة في ضفة واحدة بوجه الخطر الإيراني. ومعلوم أيضاً أن الاستقطاب الأميركي الصيني عالمياً لم يكن أقل أهمية من الاستقطاب السعودي الإيراني إقليمياً. وكما أن الحرص السعودي على إعلان عدم مغادرة الخطاب الداعي لإنهاء العداء مع كيان الاحتلال لم يمنع كون المصالحة مع إيران إصابة كبيرة لحقت بالكيان وسحبت أكثر من بساط من تحت قدميه. وفرق كبير بين أن تقول السعودية إن التطبيع مع الكيان هو حاجة لتوحيد جبهة المواجهة مع إيران، وأن تقول إن السعودية لا تريد عداوات، وهي صالحت إيران على قاعدة حل القضايا العالقة وفي مقدمتها الوضع في اليمن، ولا تمانع بمصالحة الكيان على قاعدة موازية بحل القضايا العالقة وفي مقدمتها الوضع في فلسطين. كذلك فإن التأكيد السعودي بعدم الرغبة بمغادرة المظلة الأميركية لم يلغ حقيقة ما لحق بواشنطن من خسائر. ومهما قالت السعودية فإن الصين عبر الاتفاق صارت الراعي الرسمي للتعاون الاقتصادي والأمني في الخليج، وحسابات واشنطن عالمياً هي حسابات التوازن واختلاله مع الصين.
– بعد الاتفاق السعودي الإيراني الصيني، جاءت عودة سورية الى الجامعة العربية وما تلاها من مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية قبل شهور. ومهما قالت السعودية والإمارات ومصر والأردن عن سياق هذا التحول، فإن الجوهري فيه، هو أن لا إمكانية لاستقرار أنظمة المنطقة واستقرار الإقليم معها، دون التشارك مع سورية، وشمولها بمظلة الاستقرار، ولا إمكانية لفعل ذلك مع سورية إلا عبر دولتها ورئيسها، وهذا إعلان نهاية الحرب التي لا تزال واشنطن متمسكة بأنها لم تنته. وجاءت القمة الصينية السورية وما رافقها من إعلان الرئيس الصيني عن الشراكة الاستراتيجية مع سورية، ليُكمل ما بعد انتهاء الحرب، بتعبيد الطريق لخطة إعادة إعمار سورية، من وراء ظهر نظام العقوبات الأميركية، ودون اعتباره عاملاً كافياً للتعطيل. وكل من هذين الحدثين تحول كبير، يصعب احتواء تردداته وحده، علماً أن أحداً لا يستطيع تجاهل الدور الصيني في صناعة القرار العربي بالعودة الى سورية، وصولاً لإعلان سورية بلد شراكة استراتيجية مع الصين، في رسالة طالت الكثيرين، من دعوة الأميركي الى إعادة الحسابات، الى دعوة الخليج الى الانخراط في الشراكة المقبلة، وما بينهما رسالة للعراق كشريك حكمي في خطة الحزام والطريق، وتركيا بالتوازي، لترتيب أوراقهما على قاعدة هذا المستجد النوعي الكبير، وعنوانه أن الصين صارت جاراً عبر الحدود مع سورية.
– مع إعلان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني عن الاستغناء عن قوات التحالف التي تقودها أميركا من جهة، وتحذيره من العبث بأمن سورية من جهة مقابلة، تتهيأ المنطقة لنقطة تحوّل جديدة أو زلزال جديد. فالاحتلال الأميركي في سورية يستند الى ما تصفه واشنطن بالوجود الأميركي الشرعي في العراق، ومؤكد أن الأميركيين عندما يغادرون العراق سوف يغادرون سورية، سواء كان ذلك بالشراكة مع الحكومة العراقية، وربما ضمناً مع إيران، باتخاذ الدعوة العراقية غطاء لخروج ليس فيه هزيمة من العراق وسورية، أو كان الأميركي يتلقى على مضض الدعوة العراقية التي يصعب رفضها، فإن الحساب العراقي في نسبة كبيرة منه حساب صينيّ، حيث منظومة الحزام والطريق وحدها المشروع الاستراتيجي الجاذب المطروح على الطاولة، وهو مدخل متكامل للتشبيك بين دول المنطقة اقتصادياً وأمنياً.
– تحتفل الصين بعيد تأسيس جمهوريتها، وهذه الإنجازات خير احتفال، على أمل أن تصل حرارة الاستشعار بالمتغيرات الى المسؤولين اللبنانيين الذين لم ينتبهوا بعد الى أن الصين وروسيا صارتا جارتين، وأن أميركا تتراجع من كونها قوة حاكمة في العالم الى أن تكون قوة أطلسية خلف المحيطات، لا تنظر الى لبنان والمنطقة إلا بعيون كيان الاحتلال.