تداعيات الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية…
} رنا العفيف
انتهت القمة بين الرئيسين السوري د. بشار الأسد والصيني شي جين بينغ بتوقيع شراكة استراتيجية بين البلدين، لكن توقيع الاتفاقية في لقاء القمة، وما جاء على لسان الرئيسين خلال المحادثات، يمثل الحدث الأبرز بالمعنى الاستراتيجي، أيّ دولة مثل الصين بينها وبين سورية بمثل هذة الظروف الأمنية والاقتصادية وما تشهده، هل الصين قادرة على كسر الحصار الأميركي وكيف تنظر الولايات المتحدة لهذا التقارب؟
في واقع الأمر العلاقات الثنائية بين البلدين، هي علاقة وطيدة على مدى 67 عاماً من العلاقات الدبلوماسية، اتسمت بعلاقات متينة قوية في سياق معنى الشراكة الاستراتيجية، أما في ما يتمحور حول هذه الشراكة سواء الاقتصادية أو التجارية وحتى السياسية، لم تكن الصين يوماً تتدخل في الشؤون الداخلية لأيّ دولة، لا سيما أنها تعتمد على الاقتصاد، لكن بعد مرحلة الحرب على سورية ودخول الصين على طريق الحرير الاستراتيجية، نلاحظ أنّ هناك رؤية صينية لتعزيز علاقاتها مع الدول في الشرق الأوسط،ّ وتحديداً ما يشهده العالم العربي بالمجمل، لذلك هي تقع ضمن هذا الخط وبالتالي فإنّ العلاقات مع الصين أو العلاقات العربية مع الصين لها نتاج إيجابي مبني على التفاهم والتقارب، وحتى العلاقة مع كلّ دولة هي علاقة ثنائية استناداً لما خلفه «الربيع العربي» من مآلات وانعكاسات في المنطقة…
وللصين رؤية حتمية أكثر إلماماً لمواجهة كافة التحديات التي تواجهها، والدليل السياسي هو هذا التعاون مع سورية وما يتعلق بطريق الحرير على اعتباره محطة جيو استراتيجية هامة لهذا المشروع للمدّ بين الشرق والغرب، وربما هناك إضافة في محاربة الإرهاب لطالما هناك الكثير من الإرهاب وخاصة في الشمال السوري الذين أتت بهم الولايات المتحدة لإسقاط النظام بحسب تعبيرهم، ولكن اللافت لموضوع زيارة الأسد إلى الصين هو الاهتمام الغربي الذي حظيَ بمتابعة دقيقة، خشية التفلت بأيّ حدث يربك إرهاصات بايدن المستقبلية، لا سيما إذا قرّرت الصين محاربة داعش في سورية وطبعاً يحقّ للصين خوفاً من هذه المجموعات الإرهابية التي تدعمها واشنطن، إذ تخلق فوضى للصين في المستقبل…
وطبعاً تراقب الولايات المتحدة عن كثب هذا التقارب السوري ـ الصيني، وهذا الالتزام الصيني تجاه سورية، لأنّ واشنطن لا ترغب بهذا التعاون ولا بهذه الشراكة، خشية تصاعد قوة الصين، أيّ أميركا ترغب بهيمنة قوية تريد أن تقود بها العالم العربي، كما تريد أن تطوّر علاقاتها الاستراتيجية كما حصل بينها وبين البحرين، ولكن ما حصل بعد لقاء القمة جعلها تتآكل سياسياً واستراتيجياً لأنها تنظر إلى هذا التعاون الصيني ـ السوري على أنه رسالة تحدّ قوية في مجال لعبة المنافسة الاستراتيجية بينها وبين الصين، وبالفعل هناك منافسة استراتجية بينهما، خاصة أنّ المساعي الأميركية تواكب استمراريتها على عزل سورية، وبالتالي هذا التقارب غير مرحب به غربياً وأميركياً لماذا؟ لأنّ سورية عندما تتمكّن من توفير الدعم المالي والاقتصادي من شريكها الصيني، سوف تكسر قيود الحصار وتتحرّر عجلتها الاقتصادية، وهذا لا تريده واشنطن وقد تزداد هناك بعض الصعوبات، خاصة أنّ كلّ من يرغب بمساعدة سورية تفرض الولايات عقوبات عليه كي تمضي قدُماً في عقوباتها ومساعيها المشؤومة لعزل سورية ومحاصرتها سياسياً واقتصادياً، ولكن قد يسأل أحد المعلقين وهل الصين قادرة على فكّ الحصار الأميركي على سورية ولماذا اليوم مثلاً؟ وماذا عن العقوبات الأميركية؟
استناداً للبيان المشترك بين الرئيسين الأسد وجين بينغ والذي انطلقت منه رسائل إلى الغرب وفي مقدّمته أميركا، تعني أنّ الصين قادرة على كسر الحصار الأميركي، لأنها لا تنظر لنفسها إلا كدولة عظمى تضاهي الولايات المتحدة، ولأنها في المقام الأول قادرة على اتخاذ قراراتها دون تدخل من قبل أيّ دولة، وهي بهذة الخطوة الاستثنائية، تكون حمّلت الولايات المتحدة والغرب المسؤولية الأولى ليس فقط في سورية وإنما في المنطقة، وبالتالي أدرك الغرب أنّ سياسة التوجه إلى الشرق على سبيل المثال سورية والصين وإيران والصين وروسيا والصين وفنزويلا وغيرهم من الدول… والتي تشكل مساراً سياسياً متعدد الأقطاب له مدّ جيو استراتيجي وسياسي يصبّ في الدرجة الأولى لصالح سورية لأنّ سورية بحاجة لهذا التمويل وهذا الدعم الكبير في لحظة استثنائية خاضت حرباً كبيرة ومعقدة ومتعددة الأطراف، وبالتالي هذا يساهم في إنعاش سورية بهدف إعادة الأعمار وكسر جماح القيود الغربية التي تسعى لعزلة دمشق، وقد تقوم الصين بعملية تمرّد لكسر الحصار والتمرّد على العقوبات الأميركية، وربما ستضع الولايات الشركات الصينية الهامة على جدول العقوبات، وهذه مسألة حساسة ودقيقة، ولكن قد تحاول الصين إيجاد صيغة لتلتفّ حول هذة العقوبات وقد يكون حبل العقوبات الذي يلفّ حول سورية وكلّ دولة تقف إلى جانب سورية في محنتها، قد يلتفّ حول تطبيق آلية جديدة للتعامل مع هذه الهيمنة، وقد تغامر الصين بذلك لأنّ ما أكد عليه الرئيس الصيني يوحي بالإشارة إلى أنّ الصين قادرة على كسر الحصار، وعندما يقول الرئيس جين بينغ إننا نريد شراكة استراتيجية، يشي بأنّ الاتفاق تمّ بثقة على هامش تحقيق التوازن العالمي، وقد تشهد الصين عقوبات على خلفية تطبيق آلية الاتفاق ولكن مع وقف التنفيذ، لأسباب تقلق الأميركي تتعلق بالحرب الاقتصادية، وبالتالي فإنّ لهذا التقارب أهمية وأبعاداً جيوسياسية واستراتيجية تحمل عدة نقاط رئيسية في تطوّر العلاقات والنقطة الأولى تفضي برسائل التحدي الصيني مفاده لا للعقوبات الاقتصادية على سورية، كما كان لروسيا قرار وكلمة قالت فيها لا لإسقاط الدولة السورية عام 2015 وتدخلت في الحرب لإعادة التوازن، واليوم تأتي الصين لتقول للغرب ولواشنطن خاصة إنّ ما تقومون به هو إجحاف بحقّ الشعب السوري الذي يدفع ثمن هذه العقوبات، علماً أنّ الولايات تضع عقوبات قسرية على الشعب السوري وتقوم بسرقة مقدراته من نفط وقمح وإلى ماهنالك، لذلك هذا التقارب سيفتح الباب أمام دول أخرى تصبّ في إطار تشارك مشروع الحزام والطريق، ولو لم تكن الصين قادرة سياسياً ومالياً لما تجرّأت على توقيع هذه الاتفاقيات التي تحمل آفاقاً اقتصادية ضخمة في مجال الاستثمار لسورية وربما تنعكس إيجاباً على دول الجوار أيضاً…