كلام الأسد استراتيجي عن الصين وسورية
ناصر قنديل
الواضح من متابعة الحوار بين الرئيس السوري بشار الأسد وتلفزيون الصين المركزي، أن الأسئلة الموجهة في الحوار تعبير عن رغبة صينية بإخراج الحوار من الكلام البروتوكولي مع رئيس زائر لطرح قضايا على درجة عالية من الجدية، تمهيداً لظهور نتائج الزيارة التي توحي الأسئلة والأجوبة فيها، عن أنها كانت زيارة تاريخية بكل المعايير، وأن لها نتائج مباشرة لن تتأخّر طلائعها في الظهور قريباً. وجاءت أجوبة الرئيس الأسد لتمنح الحوار حيوية إضافية في مقاربته لمسائل من عيار ثقيل، مسألة دور الصين على الساحة الدولية، ومسألة الحرب على سورية ومسارها وحالتها الراهنة، ومسألة العلاقات الصينية السورية بعد الزيارة وفي مقاربة دور الصين على الساحة الدولية، ومستقبل الوضع في سورية في ضوء التحديات الراهنة.
في الأسئلة تعبير عن الحرارة الصينية تجاه تمييز زيارة الأسد، وتمييز موقع سورية في وجدان الصينيين. وهذا يتلاقى مع ما نقل من كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ في لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس السوري بشار الأسد، لجهة التذكير بأن لسورية مكانة خاصة في ذاكرة الصين. فهي من أوائل الذين أقاموا علاقات دبلوماسية مع الصين في ذروة الحصار الدبلوماسي عليها، وتبوأت الصين في حصيلته هذا المقعد. فيتضمن سؤال الإعلامية التي حاورت الرئيس الأسد، استعادة لمشهد التعابير الحماسية الاستثنائية التي استقبل بها الصينيون عند مرور الوفد السوري، واستعراض بعض ما نشره المغرّدون والمدوّنون الصينيون على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «عليك ان تنظر الى النجوم حتى في الأنقاض»، و»إن ما يظهر للعالم ليس فقط الدمار، بل هو أيضاً حيوية لا حدود لها». واستذكرت الإعلامية الصينية كلام الرحالة ابن بطوطة في كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، وقوله «إن تكُن جنّة الخلود بأرضٍ فدمشق ولا تكون سواها أوْ تَكُنْ في السماء فهي عليها». في إشارة إلى مكانة سورية في تاريخ البشرية وفي عيونها.
في أجوبة الرئيس الأسد وضوح رؤية حول العلاقات الدولية وحول مسار الصين التاريخي ومكانتها المستقبلية، وعرض واقع الحال التي بلغتها الحرب على سورية وما تحتاجه، وتشخيص لمكانة العلاقات الصينية السورية، بمعزل عن تفاوت الأحجام الأكيد، بما هي استجابة لحاجة الصين في مكانتها العالمية، سواء موقع سورية الجغرافي ودورها التاريخي أو حجم الانسجام في المنطلقات التي تحكمها الأخلاق، حيث يشكل المضمون الثقافي أحد ركائزها، بالنسبة للدولتين والشعبين، ومكانة مميزة لدور الأخلاق في مفهوم جديد للعلاقات الدولية تعمل عليه الصين وتؤمن به سورية. بينما على الضفة المقابلة ما هو النقيض، مورداً مثالاً معبراً عن السياسة الأميركية بقوله إن سورية واجهت وتواجه خطرين معاً: «خطر الليبرالية الحديثة الغربية والتي نشأت في أميركا، وخطر التطرف. فإذاً المجتمعات هي أمام شيئين سيئين يظهران كأنهما شيئان مختلفان ولكنهما في الحقيقة واحد». وفي مكان آخر من الحوار شاهد آخر بشرحه للمشهد السوري الحالي حيث، «المنطقة الشمالية الشرقية من سورية التي يحتلها الإرهابيون هي نفسها التي يشرف عليها الأميركي، فإذاً القضية ليست فقط سرقة، وإنما القضية هي شراكة مع الإرهابيين في تقاسم الأرباح. وهي مشكلة ثانية أن تكون دولة عظمى تشارك الإرهابيين». ثم في توضيح الفارق بين منهج الصين التنموي على الساحة الدولية وفق مفهوم الشراكة، ومنهج الغرب الاستعماري القائم على الاستتباع، حيث لا مكان لخصوصية الدول الصغيرة قابلة للحماية، مفسراً بذلك استحالة استفادة الذين ساروا وراء الغرب من تجربته في النهوض، بعكس ما يقول الأسد عن الحال المرتقب لتفاعل السوريين مع التجربة الصينية.
الانتقال من المتاجرة بالدولار الأميركي الى المتاجرة باليوان الصيني هو الوصفة التي يرى الرئيس الأسد أنها تختصر المشهد الراهن، ونموذج الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، هو ما تحتاجه العلاقات الدولية، وتقدم الصين ونجاحها يعني بالنسبة للأسد «أن السياسة اليوم في العالم لم تعُد ربحاً على حساب الآخرين، لم تعد قتلاً، لم تعد احتلالاً، أصبحت السياسة أو السياسة الجديدة التي نحتاجها هي سياسة مبنية على الأخلاق، سياسة مبنية على التعاون، سياسة مبنية على المبادئ، سياسة مبنية على الربح المتبادل، لذلك أنا أقول هي مبادئ صالحة لعالم جديد يحل تدريجياً محل العالم القديم، هكذا نراه».
التفاؤل بما سوف يترتب على الزيارة والقمة والشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية، واضح من خلفية الأسئلة ونصوص الأجوبة، ويصبح واضحاً أكثر بكلام الرئيس بشار الأسد عن كيفية النهوض بسورية من ركام الحرب، «من أجل فتح أبواب لكي يتمكن الشعب السوري الذي لديه إمكانيات قديمة بأن يبني بلده وأن يتفاعل وأن يتطوّر وأن يزدهر، لدينا هذه الإمكانيات، نحن لا نفتقدها، هذا النوع من العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية هو الذي يمكن أن يفتح لنا الأبواب لكي نعود وننطلق من جديد. ثم كلامه عن أن ما بعد الزيارة متابعة لما تم خلالها بقوله، «عندما نعود إلى دمشق ستتم لقاءات واجتماعات من أجل وضع آليات لتحويل هذه العناوين إلى مشاريع عمل تطبيقية».