العتب الأرمني على قدر المحبة
الأكيد أن عتب اللبنانيين الأرمن على أخوتهم في المواطنة، لضعف تلقي الكارثة الإنسانية التي لحقت بالأرمن في ناغورني كاراباخ، هو عتب في محله، والمقارنة البسيطة بين تفاعل البيئات اللبنانية المختلفة مع أحداث دولية ملتبسة في استحقاق التعاطف، أو على الأقل هي أقل إثارة للتعاطف من مأساة تشريد أرمن ناغورني كاراباخ، يؤكد أن هذا العتب في محله.
خلال الحادث الذي شهدته باريس في مقرّ صحيفة شارل إبدو المثيرة للجدل، والمتسببة بإثارة الكراهية وتعميم الثقافة العنصرية، كان لبنان تقريباً بأغلبية ثقافية وسياسية يكاد يلبس الحداد ويرفع شعار، كلنا شارلي إبدو.
ما جرى في ناغورني كاراباخ هو اجتياح أذربيجاني لاحتلال منطقة متنازع عليها تاريخياً، بين الأرمن والأذريين، وسكانها أرمن بالكامل، بغض طرف وانكفاء من حكومة أرمينيا، انتهت بحل الكيان السياسي والأمني الخاص بالأرمن في ناغورني كاراباخ، وتشريد شعبها بالكامل، في استعادة لمشهد الهجرة الأرمنية المأساويّة قبل قرن ونيّف، بسبب المجازر التركية، ومن خلال مساهمة مكشوفة من تركيا التي تشكل أحد داعمي نظام حكم أذربيجان، وفي استعادة لمشاهد تهجير الشعب الفلسطيني على أيدي العصابات الصهيونية، والنظام في أذربيجان أبرز حلفاء كيان الاحتلال.
إقامة الحساب للغضب التركي وغضب كيان الاحتلال، ومن خلفهما وخلف حكومتي أذربيجان وأرمينيا معاً تقف أميركا، على حساب مشاعر اللبنانيين الأرمن، معيب بحق مَن تخلّفوا عن التضامن، وليس مطلوباً أكثر من مواقف تضامنية؛ أما قمع التظاهرة الأرمنية في تبييض وجه مقزّز، تُقدم عليه الحكومة ووزارة الداخلية، غب الطلب لحساب تركيا، أمر مشين ولا يشرّف من أصدر الأوامر بالقمع، كما نقل النائب هاكوب بقرادونيان الأمين العام لحزب الطاشناق عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
التعبير عن مشاعر التضامن مع أرمن ناغورني كاراباخ واجب إنسانيّ، لكنه هنا يصبح مسؤولية أدبية وطنية، لمعانيه بالنسبة للبنانيين الأرمن. ومن واجب الجميع الوقوف أمام العتب الأرمني ومراجعة المواقف والاعتذار عن القصور والتقصير، لأن العتب على قدر المحبة. فالأرمن اللبنانيون بين التقسيمات اللبنانية من أهم جسور الوحدة، ومن أكثر التعبيرات صفاء عن الوطنية اللبنانية.
التعليق السياسي