دبوس
وداعاً للحروب الخشنة
تكلفة الجندي الأميركي الذي شارك في غزو أفغانستان والعراق كانت مليون دولار في السنة، وهي بالتأكيد أكثر الآن، يُقال لها، في حالة الـ combat، أيّ في حالة القتال، يعني ببساطة، كانت كلفة النصف مليون جندي الذين شاركوا في الحربين هي نصف تريليون دولار سنوياً…
لقد قفز منظّرو الاستراتيجيا الأميركيون إثر ذلك الى نتيجة مؤدّاها، أنّ بإمكاننا الحصول على نتائج انْ لم تكن مماثلة للغزو المباشر، فلربما تكون أفضل من ذلك بكثير من خلال خلق مجموعات منتفعة مباشرة مادياً في مجمل طبقات الحكم في ايّ بلد في العالم، كالجيش والقضاء والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وفوق ذلك فإننا لن نهرق قطرة دم واحدة، كلّ ما في الامر، خلق طبقة منتفعة بسخاء، سوف تشكل بعد ذلك حالة من تناقض المصلحة مع حالة المقاومة في الداخل، قادرة على خلق شلل كامل داخل نطاق المجتمع، وبالذات حينما يُضاف الى ذلك عقوبات تمنع ايّ قدر من الإنجاز والممارسة الطبيعية للكيان، أيّاً كان…
ويبدو انّ هذا النهج الذي انتهجته الإدارات الأميركية عقب غزو أفغانستان والعراق قد أتى ببعض الأكل، ولكنه مُني ببعض الإخفاقات، والمثل الأكثر جلاءً في هذا النمط من الصراع هو لبنان، فالطابور المنتفع من المزايا المادية مقابل الارتهان والانضواء تحت لواء هذا الجيش الأميركي الناعم يسرحون ويمرحون في لبنان، في السلطة التنفيذية، وفي السلطة التشريعية، وفي القضاء، وبالتأكيد في الإعلام، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني المتكاثرة، ويحققون إنجازات صوتية، لأنها لم تفلح حتى الآن في إلحاق الضرر بالمستهدَف من كلّ هذا الحراك، أيّ المقاومة التي انتهجت نهج المقاومة السلبية، وذلك بالنأي بالذات عن ايّ اشتباك مباشر، وطفقت توفر للحاضنة الشعبية خاصتها وضعاً يقيها شرّ تلك الاندفاعة الانهيارية والسقوط الحر الذي اصطنعته امبراطورية الهيمنة، ونجحت المقاومة حتى الآن في تقليص التبعات الى الحدّ الأدنى، ثم رفعت بعد ذلك شعاراً ليحدّد الأطر التي ستحكم قانون اللعبة بحيث لا تنفلت إلى مناطق غير محسوبة، إذا أردت أن تقتلني، فسأقتلك…
سميح التايه