التطبيع مقابل الحماية…!
} رنا العفيف
التطبيع مع «إسرائيل» في مقابل الحماية، اتفاق عسكري تتجه السعودية إلى إنجازه مع الأميركيين، وتفاصيل تكشف عنها وكالة «رويترز» بشأن تنازلات عن مطالبها بامتلاك تكنولوجيا نووية، فما هي هذه التفاصيل وكيف تُقرأ؟
تعقيباً على التفاصيل التي كشفتها وكالات وصحف غربية، بات واضحاً أنّ هناك توظيفاً لما تخط له السعودية لنفسها وبالمقام الأول «مصالحها»، عدا عن أنها اليوم تختلف عن السابق في تقدين نفسها كلاعب أساسي في مستقبل المنطقة، وبالتالي هي تضمن مصالحها بعيداً عن أيّ تغيير آتٍ في البيت الأبيض، لذا السعودية تقوم على سياسة الدقة أو التركيز في كلّ خطوة تنتهجها، أيّ هي تريد رسم خط جديد لها لتساوي نفسها بـ «إسرائيل» في العلاقة مع الولايات المتحدة، كما أنها تريد أن تسوّق لنفسها على مستوى المركز الاستراتيجي في ما يتعلق بالمشاريع المستقبلية في المنطقة.
استناداً لما كشفته وكالات أنباء غربية عن مصادر بأنّ التزام واشنطن تجاه الرياض الدفاع عنها ضمن اتفاقية عسكرية في مقابل التطبيع مع «إسرائيل»، والتطبيع مع «إسرائيل» في مقابل الحماية في اتفاق عسكري وسط غياب النقاش في شأن الدولتين، وبحسب «رويترز» فإنّ الرياض مستعدة لقبول هذا الإتفاق مع تأكيد أنه قد لا يَرقى إلى مستوى الضمانات الدفاعية المتبقية داخل خلف الناتو، لكنه قد يكون شبيهاً بالمعاهدات بين واشنطن ودول آسيوية أبرزها اليابان، وفي حال لم تحظ بموافقة الكونغرس فإنّ الإتفاق وفق المصادر قد يكون مشابهاً لموقع البحرين مع إمكان تحسينه من خلال التطبيق السعودي حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة.
لكن كلّ التقارير والتصريحات السياسية تشير إلى أنّ السعودية لم تعطَ أيّ شيء مما طلبته، خاصة أنّ هذه المطالب على مستويين… الأول يتعلق بإقامة دولة فلسطينية والآخر يتعلق بطلبات سعودية ذاتية مثل البرنامج النووي والأسلحة المتطورة وإلى ما هنالك، ما يشي بأنّ السعودية ربما لن توقع لأنها تحاول أن تسوّق أوراقها وفقاً لهذه النقاط، ويبدو أنها في مرحلة جسّ النبض، ما لم تكن هناك اتفاقات قد وُقعت من خلف الكواليس، وبالتالي ما يجري قد يكون جزءاً من التهيئة لما هو آتٍ على اعتبار أنّ السعودية ستحصل على الكثير من النقاط ضمن إطار سياسة انتهاز الفرص بشكل تدريجي على سبيل الحصول على الدفاع المشترك والحماية، والحصول على السلاح، إضافة إلى بعض النقاط الحساسة في مرحلة معينة.
لذا ملف التطبيع السعودي مع «إسرائيل» قد يكون وارداً من ناحية المصالح السعودية التي تتبنّى الكثير من النقاط، وقد يكون بعضها متعلقاً بالموضوع الفلسطيني، لأنّ هذا الأمر بالنسبة للسعودية هو أمر هام من زاوية واقعية وهي أنها لا تريد أن تتخلى عنه لتبرز إلتزامها في مبادرة السلام العربية، على اعتبار أنّ الحديث ما زال قائماً وقابلاً للتطبيق، أما وجهة النظر الواقعية لهذا الموضوع فهي مختلفة تماماً لأنّ إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة على الأقلّ على مستوى الكونغرس، قد تكون صعبة المنال، في مقابل التعاون النووي، وهذا ربما مبالغ به لأنّ هناك معارضة قوية بين أوساط الديمقراطيين فهم أكثر من الجمهوريين، عدا عن حزب الرئيس المعارض لأيّ اتفاق، أيّ الاتفاق موقع مع السعودية يعتبرونه تنازلاً مجحفاً بحقهم، ما يفسّر أن÷ إذا كان بالفعل هناك شرط تتمسك به السعودية سيكون من الصعب رؤية تطبيع كصفقة، خاصة تلك التي لا ترتبط بالمعاهدات، وجميع المعلقين والمراقبين يدركون تماماً أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تدافع عن حلفائها وإنما تدافع عن مصالحها، بالرغم من أنها تنظر للسعودية كحليف قوي لها إلا أنها لم تدافع عنها يوم ضُربت «أرامكو»، وكان هذا الأمر نقطة فاصلة في مسار العلاقات السعودية الأميركية آنذاك، لذا ليس متوقعاً أن تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع المشترك لحماية حلفائها لأنها في نهاية المطاف ستدافع عن مصالحها بقوة، وما يجبر توظيف هذا الأمر بالنسبة لواشنطن هو أن نفط السعودية يمثل نقطة حيوية للولايات المتحدة بالحدّ الأدنى، خاصة أنّ الولايات المتحدة تمتلك قواعد عسكرية في المنطقة، فهي تحاول أيضا جسّ نبض السعودية في علاقاتها الجديدة مع إيران وما تستحوذ عليه من مصالح أو إذا امتلكت شيئاً من برنامجها النووي أو أيّ شيء من هذا القبيل.
أما في ما يتعلق بالشق الفلسطيني، قد تكون بعيدة عن كلّ النقاشات، في حال أنّ السعودية ماضية في الاتفاق، ولو أنّ الفلسطينيين سيحصلون على جزء بسيط من المطالب، لتخفيف القيود الإسرائيلية وفقاً لوكالة «رويترز» وأيضاً وفقاً لكل اللقاءات المتلفزة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وخاصة الأخيرة منها مع «فوكس نيوز» حيث لم يأت على ذكر الدولة الفلسطينية، وإنما قال نريد تحسين حياة الفلسطينيين، وطبعاً هذا الكلام سمعناه من الكثيرين وأوّلهم أنور السادات وغيره، ولكن لا نرى تنفيذاً عملياً على أرض الواقع، وبالتالي ربما الشقّ الفلسطيني يُستخدم من أجل ان يكون هناك زخم أو تفعيل مواقف، فهذا سيُعرف في الآتي من الأيام في حال كانت السعودية تريد القفز على هذا الأمر من خلال ما تستطيع فعله عملياً، أيّ هل تستطيع السعودية أن تحصل على دولة فلسطينية؟
هذا يتطلب جهوداً ومواقف عربية جديدة تجاه هذه القضية، وهنا لا بدّ من وجود حلّ سياسي فاعل يصيغ على الأرض على اعتبار محمد بن سلمان يتحدث عن تحسين حياة الفلسيطنيين، أما غير ذلك فهو يبقى كلاماً إعلامياً مع وقف التنفيذ، مع إبقاء فكرة حلّ الدولتين في التداول، وكلّ ما يجري يبقى في الفراغ أو مجرد تبريرات لما يمكن أن يحصل من خطوات تطبيعية في المستقبل…