أولى

جديد التطبيع… متى سيعقلها ويتوكل؟

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
في الوقت الذي كان الإعلام (الإسرائيلي) المقرّب من دوائر صنع القرار يقول إنّ عملية التطبيع مع السعودية قد توقفت، أعلنت الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية انطوني بلينكن سيقوم في منتصف الشهر بزيارة للمنطقة يبدأها في تل أبيب، وأن زيارته تهدف الى البحث مع حكومة نتنياهو عملية التطبيع وضرورة دفعها قدماً وتنسيق خطواتها، كما بحث ضرورة منح الفلسطينيين تسهيلات وهي بالطبع ذات طابع خدمي لا سياسي، كما انّ السعودية الرسمية وأبواقها الإعلامية المقرّبة من أصحاب القرار السعودي تصدر إشارات مخالفة رسمياً كانت الإشارة صادرة عن ولي العهد السعودي إذ يؤكد لقناة «فوكس نيوز» انّ عربة التطبيع لا تزال تسير على طريقها وأنه شخصياً جاد ويولي المسألة اهتمامه، وبأنّ المحادثات تسير إلا أنّ هنالك مطالبات للسعودية من الولايات المتحدة ومن (إسرائيل) .
يفترض وكما يتردّد في وسائل الإعلام أنّ السعودية تطالب بالحصول على أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، وكأنها تقول إنها حاصلة على عضوية سرية أو غير معلنة في حلف شمال الاطلسي (الناتو) وهي تريد الأسلحة المتطورة من مستوى السلاح الذي تعطيه الولايات المتحدة والحلف لـ (إسرائيل) او تايوان مثلاً، مع فارق أنها مستعده لدفع ثمنه فيما يحصل عليه أولئك مجاناً وهو أمر لا يبدو أن أوساط الأمن والجيش في «إسرائيل» جاهزون للموافقة عليه.
وتريد السعودية التي يطمح ولي عهدها بالعرش القريب وبأن يصبح هو وبلاده قادرَيْن على لعب أدوار واسعة في التكتلات الاقتصادية غير المتوافقة مع الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد، وتلك المعنية بالطاقة عبر العالم وأسعارها وكميات إنتاجها وتدفقها على السوق، وهذا ما دعاه لفتح آفاق لتنويع علاقات بلاده مع روسيا والصين وللتصالح مع إيران. فهل سيكون التطبيع مع «إسرائيل» والعلاقة مع واشنطن في كفة ميزان أخرى تتوازن لدى ولي العهد أم أن جمع الأضداد ليس بهذه السهولة.
والسعي للعب دور عربي وإسلامي يجعل من السعودية زعيمة على العرب والمسلمين يتطلّب رفعاً للعتب، تحقيق مكاسب للفلسطينيين وإنجاز يتعلق بوضع المسجد الأقصى المهدد بالتهويد والتقسيم الزماني والمكاني، في مقابلته مع «فوكس نيوز» تحدث عن تحسين أوضاع الفلسطينيين، وترجمة هذه العبارة تعني تحويل مبالغ ماليه لميزانية السلطة لحل مشكلة الرواتب ولفتره من الزمن، اما في ما يتعلق بالمسجد الأقصى والقدس او تحقيق تقدم سياسي حتى ولو كان أقل من دولة أو إضافة صلاحيات اوسع للسلطة الفلسطينية فهو امر مستحيل بوجود هذه الحكومة، وبالغ الصعوبة في حال وصلت المعارضة أو أي حكومة للسلطة في تل أبيب.
الصحافي السعودي عبد الرحمن الراشد مدير قناة «العربية» كتب مقالاً يفيد بأن كل مشاريع حل المشكلة الفلسطينية الجماعية كان مصيرها الفشل، ويعرض أمثلة على ذلك فمبادرة قمة فاس فاشلة وتمّ سحبها، ومبادرة ومؤتمر مدريد فاشلة، ومبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002 والتي حملت اسم المبادرة العربية للسلام فشلت، ومشروع السلام الاقتصادي الذي جاء في عهد دونالد ترامب وحمله وعمل عليه صهره جاريد كوشنر باسم صفقه القرن فشل، فيما يرى عقل عبد الرحمن الراشد وقلمه أنّ النجاح والفلاح كان في المصالحات المنفردة والتطبيع الثنائي، وهو يرى أنّ مصر أنهت حاله الحرب واستعادت سيادتها على سيناء وقناه السويس وتحصل على مليار ونصف المليار دولار مساعدة سنوية؛ الأردن بدوره حصل على مطالبه التي شملت استعاده اراضٍ تعادل مساحة غزة وحصة من المياه وإلغاء بعض الديون؛ المغرب حصل على اعتراف إسرائيلي بأنّ الصحراء الغربية أرض مغربية مقابل اعترافه بـ «إسرائيل» والسودان ربح منافع تعاون أمني وعسكري، والعجيب بمعلومات عبد الرحمن الراشد أنّ لبنان أيضاً يندرج في قائمته للدول المطبّعة والمستفيدة من التطبيع، فقد استعاد مقابل ذلك حقوقه النفطية في البحر ورسم حدوده البحرية مع (إسرائيل)، أما السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق اوسلو عام 1993، فقد أصبحت لديها سلطة تحظى بشرعية دولية، وبحكومة مدنية تحكم الضفة والقطاع، وعاد – حسب قوله وتخصيصه – أفراد حركة فتح وعائلاتهم الى فلسطين، ثم أن السلطة قد حظيت على التزام بدعم مالي أوروبي أميركي، هكذا ينفرد عبد الرحمن الراشد برؤية كلّ هذه الإنجازات لـ»السلام»؟
اما الصحافي الآخر فهو الكويتي احمد الجار الله الذي جاوز في سفاهة آرائه عبد الرحمن الراشد بكثير، فهو يكاد يصل الى اعتبار «إسرائيل» بلداً شقيقاً محباً للسلام يمارس السياسة بمعايير أخلاقية يفتقدها الفلسطينيون والعالم العربي، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي! ويعدد الدعم الذي قدّمته السعودية ودول الخليج (الأمة الخليجية النفطية) لفلسطين ولمشروع تحريرها، والتي ذهبت على موائد القمار ودون نتيجة او حفظ للجميل، لذلك ينصح أحمد الجار الله ولي العهد بأن يعقل ناقته وأن يتوكل على الله ويبادر بأسرع وقت للتطبيع مع (إسرائيل) التي يراها ولا بدّ سوف تحفظ الجميل، ولا مانع عند أحمد الجار الله بل من الحكمة أن تقطع السعودية علاقاتها مع الفلسطينيين وغيرهم من العالم العربي.
بايدن وإدارته والحزب الديمقراطي في واشنطن يستعجلون التطبيع لأسباب انتخابية.
نتنياهو وحكومته يستعجلان التطبيع للبقاء في الحكومة والابتعاد عن قضبان السجن.
ويبدو أن محمد بن سلمان قد أصبح يستعجل التطبيع باعتباره مقدمه لتطبيعه مع الإدارة الأميركية الديمقراطية التي اختلف معها منذ بداية عهدها، والتي كانت تطالب بمحاكمته على خلفية قتل خاشقجي، وهو يرى أنه بهذا التطبيع مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، قد يستطيع ضبط الأمراء من أفراد أسرته الطامحين في العرش، والذين تربطهم علاقات بالحزب الديمقراطي الأميركي…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى