يهودية الدولة والتطبيع المستحيل…
} مأمون ملاعب
يكثر الكلام حالياً عن تطبيع يجري بين «إسرائيل» والمملكة السعودية خصوصاً أنه قطع أشواطاً إلى حدّ زيارة وزراء من كيان العدو للمملكة. تضغط الولايات المتحدة بهذا الاتجاه ودولة العدو بأمسّ الحاجة له وتعلن عن رغبتها تلك بما للمملكة من وزن على صعيد العالم الإسلامي والعالم العربي. في المقابل تتجاوب المملكة إلى حدّ كبير لأنها استراتيجياً ما زالت في خط الولايات المتحدة لكنها تشترط تنازلات من العدو إلى حدّ قبوله بالمبادرة العربية المعلنة من بيروت والتي قال فيها رئيس وزراء العدو إنها لا تساوي قيمة الورق المكتوبة عليه.
يبدو هذا الطلب مبالغاً فيه فعلى الأقلّ ابسط الأمور أنّ المملكة تطلب من «إسرائيل» بعض «التنازل» لمصلحة حل «قضية فلسطين» في إطار حلّ الدولتين. يظنّ البعض أن الإدارة الأميركية ستضغط على حكومة العدو من أجل بعض التنازلات، غير أنها لا تستطيع، وطبعاً لن يكون هناك حلّ الدولتين، وإذا أرادت المملكة التطبيع فسيكون ذلك على خطى الإمارات والبحرين. والميل هنا هو للاعتقاد بأنّ التطبيع لن يحصل بالشكل التام. من الصعب أن تعطي «إسرائيل» ايّ تنازل.
حاولت الإدارة الاميركية في السابق الضغط على حكومة العدو لتمرير اتفاق أوسلو وبعد ذلك لتنفيذ بعض بنوده فماذا كانت النتيجة؟
1 ـ أمّنت اتفاقية أوسلو للعدو.
2 ـ اعتراف من «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، بـ «حقها في الوجود على أرض من فلسطين».
3 ـ تنازل ممّن يدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني عن مدن وقرى وأراض وتاريخ وحق.
4 ـ تخلي منظمة التحرير عن السلاح والعمل المقاوم.
5 ـ إحراج الدول العربية بأنّ صاحب القضية تخلى عنها.
في المقابل أعطت الاتفاقية الفلسطينيين حكماً ذاتياً يحمل المواصفات التالية:
1 ـ حكم لدويلة من دون جيش. قوى أمنية تحمل السلاح الفردي فقط.
2 ـ حكم على غزة وعلى مدن وقرى في الضفة يقطنها الفلسطينيون، دون المستوطنات.
3 ـ دويلة دون حدود وتتقاضى من «إسرائيل» حصتها من الجمارك والضرائب.
النقاط العالقة المتروكة للمرحلة الأخيرة: القدس، المستوطنات، والممر الذي يربط غزة بالضفة. ثلاثون عاماً مرت على الاتفافية ولم ينجز ايّ من القضايا العالقة، والمحصلة هي:
1 ـ يستطيع العدو الدخول الى ايّ مدينة فلسطينية ساعة يشاء ولا سلطة لـ «السلطة» لمنعه.
2 ـ يحاول العدو تهجير الفلسطينيين من القدس بشتى الوسائل.
3 ـ يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى مراراً تحت حماية الشرطة الإسرائيلية وتقوم الحكومات بالحفر تحته مما يهدّد سقوطه.
4 ـ التنسيق الأمني يخدم العدو حين تتحوّل أجهزة السلطة إلى عميلة لدى العدو ترشده إلى المقاومين. في حين أنّ السلطة لا تستفيد من هذا التنسيق. الأخطر حالياً أنّ أجهزة السلطة تقاتل المقاومين بالنيابة عن العدو.
اما في موضوع الموقف الأميركي والضغط يبدو أنّ الإدارات الأميركية جاهزة للتكيّف كما يحتاجها الإسرائيلي وصولاً إلى اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» دون انتظار إنهاء اتفاقية أوسلو بهذا الشأن. حاولت إدارة كلينتون الوصول إلى «حلّ» لقضية فلسطين كما تراها هذه الإدارة فسقط كلينتون بفضيحة لوينسكي، وحاول بايدن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وفشل بذلك، وهو حالياً يخاصم نتنياهو لكنه وكلّ إدارته يعملون جاهدين لإخراج «إسرائيل» من مأزق ضعف قوة الردع لديها ونفاد سلاح التهديد مثلهم مثل كلّ الصهيونية العالمية. المأزق هو أنهم يتعاملون مع وضع دائم الحركة وغير ثابت لا في داخل الكيان ولا في محيطه. غير ثابت عند اليهود سكان الدولة التي يريدونها تجسيداً لمعتقد خرافي تافه ولم يتحقق ويستمرون بالعمل عليه وبطرق مختلفة متناقضة احياناً، اما الفلسطينيون داخل الكيان فقد استعادوا التمرّد وطووا إلى حدّ بعيد اتفاقية أوسلو.
كان رابين رئيس حكومة العدو حاول «التنازل» أكثر مما يقبل به المتشدّدون فقتلوه، مع التأكيد أنّ أكثر ما كان يمكن أن يقدّمه لا يرقى الى أدنى حدّ لما يشكل دويلة الفلسطينيين وطبعاً لم تتضح للعالم خلفيات مقتله.
اتفاقية أوسلو لم تلحظ الوجود الفلسطيني في الشتات والتي يحاول العالم الغربي بأجمعه حلها عبر التوطين والتهجير، فهل يمكن اليوم أن تعطي «إسرائيل» ما عجزت عنه في الماضي؟ وهل يمكن لحكومة وصلت إلى الحكم براية التطرف أن تتنازل؟ الحكومة اليوم تمثل الذين يريدون يهودية الدولة، وبالتالي هم يريدون طرد الفلسطينيين، ليس من هم داخل الأراضي المحتلة عام 1948 وحسب، بل كلّ الفلسطينيين حتى من الضفة التي يعتبرونها يهودا والسامرة (أرضهم التاريخية).
لا حكومة العدو قادرة على «التنازل» ولا الولايات المتحدة يعنيها ذلك، وإرادة اليهود فيها هي الأعلى والضغط على من يقبل به فقط.
إرادة أبناء شعبنا في فلسطين ظهرت مراراً خصوصاً في الضفة، وهم من يقرّر مسار التطبيع الذي يبدو مستحيلا…