حرب أكتوبر… حرب العبور وضمير الأمة
} رنا العفيف
لا بدّ عندما نتحدث عن ذكرى حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، أن نستذكر الماضي الجميل، ونحن أمام لحظة تاريخية مميّزة في زمن مميّز، لا سيما أنّ الصراع مع العدو نفسه لكن بمعادلات واستراتيجيات وخلفيات واعدة بالإنتصارات الكبرى…
حرب تشرين التحريرية ليست حرب مصالح وليست حرباً تقليدية، إنما كانت لحظة تاريخية ومفصلية بالنسبة لمصير الأمة، قبل بدء عمليات حرب تشرين التحريرية، كانت الاستعدادات تتخذ بحذر وتخطيط محكم لا يسمح بوقوع الحوادث التي من شأنها تنبيه العدو في لحظة ما، ذلك العدو الذي كان قد وضع في الحسبان أنّ العرب بعد عدوان حزيران لن تقوم لهم قائمة،
والحقيقة أنه لم يكن من أحد يعلم متى تكون الساعة الصفر إلا الرئيس حافظ الأسد والرئيس المصري أنور السادات، وكانت كل الترتيبات قد أعدت بجاهزية قتالية عالية ومعنويات مرتفعة، حتى وصل الأمر إلى أنّ أحد الضباط طلب من الجنود عند بدء المعارك الإفطار (فقد كان الشهر رمضان) ولكن الجنود لم يفطروا بل أصرّوا على صيامهم، وأنهم لن يفطروا إلا في الأرض التي يتقدّمون إليها محرّرين أو يكون الإفطار في الجنة…
طبعاً قدسية الهدف والروحية في ظلّ الأسباب التي كانت في متناول الجندي لتحقيقه في يده، وكان لاستبسال جند الأسد قصص تضرب الأمثال بها، بعد أن عرفنا أنّ طبيعة المعركة في الجولان ستكون قاسية، إذ أنّ الجولان أرض صخرية وعرة، ذات مرتفعات ووديان تغطيها الحجارة البركانية، مما يجعل سير المدرّعات والمجنزرات صعباً جداً…
وبنظرة شاملة لتتبّع سير المعارك في الجبهة السورية، نجد أنّ معركة الجولان هي أشدّ المعارك ضراوة وشراسة، فقد قاتل العدو الإسرائيلي بشراسة لا توصف وسبب ذلك يعود للحفاظ على مرتفعات الجولان لأنها تعتبر لـ «إسرائيل» موقعاً عسكرياً واستراتيجياً حساساً، حيث كان يسيطر على مصادر المياه التي تزوّد فلسطين، أيضاً سيطرته وخاصة الجهة الشمالية منه على دمشق إذ تصبح في مرمى مدفعية العدو البعيدة المدى، وكذا سيطرته وخاصة من الخطوط السورية القديمة الحصينة على سهل الحولة والجليل الأعلى وشمال فلسطين، وبتخطيط من القيادة السورية وعلى رأسها الخالد حافظ الأسد بدأت سورية المعركة، والمقاومة الشعبية وكانت تضمّ فرق الكوماندوس ووحدات مدفعية ميدانية ومدافع مضادة للطائرات وأرتال دبابات ومصفحات، وبعد أربع ساعات فقط من بدء المعارك اقتحمت القوات السورية نقاط الدفاع والتحصينات الأمامية للعدو وقامت قوات الكوماندوس وهي فرق مختارة من الجيش السوري، بتحرير موقع جبل الشيخ «قصر عنتر» يشرف على دمشق والبقاع وفلسطين وجنوبي لبنان،وكانت قد أنزلت من طائرات مروحية ونشبت بينها وبين العدو معارك ضارية وبالسلاح الأبيض، وعندما هبط ليل الأول كانت القوات السورية قد نفذت خططها بنجاح واعد.
نعم، الذكرى الخمسون لحرب تشرين التحريرية تعبّر عن ضمير الأمة والشعب، حاول أعداؤها إذلالها خاصة بعد هزيمة 1967 فكانت حرب أكتوبر حرباً مفصلية بالنسبة لمصير الأمة، إذ شاركت في معركة العز والكرامة جيوش عربية لتقدّم الدم سخياً إلى أشقائهم في سورية ومصر، فجسّدوا بذلك وحدة الأمة ووحدة المصير وقدسية الهدف.
كما أننا اليوم نخوض معركة الشرف والعز عن أرضنا وعن تاريخنا المجيد الذي ورثناه عن أجدادنا، ونخوض معركتنا بإيمان الله وبأنفسنا وتصميم قاطع على أنّ النصر سيكون حليفنا.
لم تكن حرب تشرين حرباً عادية، بل كانت حرباً مميّزة وميزتها أنها آنذاك أثبتت أنّ العرب قادرون وفي كلّ وقت، إنْ اجتمعت كلمتهم، على سحق من ينوي بهم شراً، وإنّ نجاح العرب في تحطيم الأسطورة الصهيونية في وحدانية القوة والسيطرة، وبالتالي كما أراد حافظ الأسد أن تقود سورية جماهير الأمة العربية نحو النصر، سيقود الرئيس بشار الأسد جماهير الأمة العربية نحو انتصارات كبرى ودائمة بكلّ أشكالها عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، ونرى هذا من خلال الجهد الذي لا يدّخره في سبيل بناء سورية الحديثة، وكما استطاعت القوات السورية أن تحرّر الكثير من قرى الجولان ودحرت العدو الاسرائيلي، وكذا التريث في إعلان الانتصار قواتنا المسلحة حتى تطهيرها تطهيراً كاملاً، سيأتي اليوم الموعود ونعلن تطهير كلّ شبر من الأراضي المحتلة في سورية، وكما كان لهذه الحرب شكلها الحقيقي، سيكون أيضاً لمعركتنا الحالية شكل حرب وتحرير شامل، وربما هذا سيكون أول إنجازاتنا في تحرير الإرادة العربية من عوامل الضغط الخارجي، وربما ستكون خاتمتها تحرير الأرض، لأنّ سورية اليوم تنتظر انتصاراً بحجم تشرين وهذا ليس سهلاً، لأننا ندرك أطماع العدو التوسعية ونعرف أنّ هناك قوى تدعم هذه الأطماع، وبالتالي كانت حرب تشرين مرحلة تاريخية هامة في تطور سورية ومنعطفاً حاسماً في تاريخ العرب ونقطة بدء التحوّل نحو من هم العرب وما هي القضية الفلسطينية…