أولى

دلالات ونتائج أولية لعملية المقاومة المباغِتة في جنوب فلسطين

حسن حردان

فاجأت المقاومة الفلسطينية كيان الاحتلال الصهيوني وجيشه وأجهزته الأمنية بالقيام بعملية عسكرية واسعة اجتاحت خلالها الخطوط الدفاعية لجيش العدو، من البر والبحر والجو، والسيطرة على مواقعه العسكرية في غلاف غزة بينها موقع قيادة فرقة غزة وموقع سلاح المدرّعات، إلى جانب السيطرة على العديد من المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونجاحها في قتل وجرح وأسر المئات من الجنود الصهاينة بينهم ضباطا كبار..
هذه العملية المباغِتة للمقاومة وغير المسبوقة في حجمها وسعتها ودلالاتها ونتائجها العسكرية والسياسية، والتي صدمت “إسرائيل” وأدخلتها في حالة من الضياع والارتباك، تمّ توقيتها في نفس اليوم الذي شنّت فيه سورية ومصر حرب تشرين التحريرية في 6 تشرين الأول 1973 أيّ قبل نحو خمسين عاماً… وهو يوم عطلة وختام للأعياد اليهودية في كيان الاحتلال، ويمكن وصفها بأنها عبارة عن حرب تشرين مصغرة…
أولاً، في النتائج الأولية للعملية:
1 ـ اختراق رجال المقاومة لكلّ الحواجز والتحصينات الإسرائيلية، وتدمير وحرق دبابات والسيطرة على كلّ المواقع العسكرية ومراكز شرطة الاحتلال في العديد من المستعمرات الصهيونية بعمق 40 كلم داخل الأراضي المحتلة عام 1848.. وذلك للمرة الأولى منذ النكبة واحتلال العصابات الصهيونية أرض فلسطين.
2 ـ قتل وجرح مئات الضباط والجنود والمستوطنين الصهاينة في خلال 24 ساعة، حيث اعترف العدو بمقتل أكثر من 650 وجرح ما يزيد عن 2150 وفقدان الاتصال بعدد كبير من الجنود ورجال الشرطة قدر بـ 100 جندي ومستوطن.. على انّ أسر المقاومة لعشرات الضباط والجنود سيمكنها من إجبار العدو لاحقاً على عقد صفقة تبادل أسرى يتمّ خلالها إطلاق جميع الأسرى في سجون الاحتلال.
3 ـ حصد المقاومة غنائم كبيرة من الآليات والعتاد العسكري لجيش الاحتلال.
4 ـ توجيه ضربة عسكرية ومعنوية قاسية لجيش الاحتلال.
5 ـ نجاح المقاومة في التشويش على شبكات الرادار والمراقبة الصهيونية والمجسّات الالكترونية التي تعطي إنذارات لجيش العدو.. والقيام بعملية خداع استراتيجي ضللت خلالها العدو، إضافة الى تعطيل القبة الحديدية بإطلاق خمسة آلاف صاروخ سبقت عملية عبور المقاتلين جواً وبراً وبحراً…
6 ـ انهيار أمني واستخباراتي “إسرائيلي”، دفع متحدث سابق باسم جيش الاحتلال إلى القول، “انّ النظام بأكمله فشل” أمام هجوم المقاومة الفلسطينية، فيما حمّل وزراء في الكابينيت الصهيوني مسؤولية الفشل للأجهزة العسكرية والأمنية، في وقت اتهم مسؤولون سابقون الحكومة أيضاً بالمسؤولية عن الفشل بسبب تركيبتها المتطرفة وممارساتها الاستفزازية للفلسطينيين.
7 ـ سقوط كامل للردع الصهيوني، وتوجيه ضربة موجعة لجيش الاحتلال وتحطيم ما تبقى له من جبروت وهيبة.. وظهوره في حالة من الهشاشة الضعف والجبن وافتقاد للجاهزية.. وإلحاق الهزيمة والذلّ والعار به.. واستطراداً فقدان الثقة لدى الصهاينة بقدرة جيشهم على حماية أمنهم واستقرارهم، لا بل انكشاف عدم قدرته على حماية نفسه من هجمات المقاومة.
8 ـ إحداث صدمة نفسية، وانهيار في معنويات جيش الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، أفقدتهم القدرة على التوازن.
ثانياً، الدلالات التي نتجت عن العملية:
1 ـ تطور نوعي في أداء وعمل وقدرات المقاومة الفلسطينية.. وانتقالها من الدفاع والعمليات الصغيرة، إلى الهجوم واقتحام مواقع محصّنة لجيش الاحتلال والسيطرة عليها لساعات طويلة، ومواصلة القتال في بعض المستعمرات التي سيطر عليها المقاومون، والاستمرار كذلك في العبور إلى الأراضي المحتلة وشنّ الهجمات والتي كان آخرها تسلل كوماندوس للمقاومة بزوارق إلى شواطئ مدينة عسقلان والسيطرة على مواقع للعدو، وإيقاع خسائر في صفوف الجنود الصهاينة.
2 ـ امتلاك المقاومة زمام المبادرة والإرادة والجرأة على اتخاذ قرار شنّ الحرب والهجوم ضدّ كيان الاحتلال.
3 ـ تكريس المقاومة لقواعد جديدة في الصراع مع الاحتلال بنقل المعركة والقتال إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
4 ـ رفع معنويات الجماهير الفلسطينية والعربية، وإعادة إحياء الأمل بأنّ تحرير فلسطين ليس حلماً أو مستحيلاً، خصوصاً بعد ان نجحت المقاومة الفلسطينية في تحويل قطاع غزة المحرر إلى قاعدة انطلاق محصّنة للمقاومة، لخوض حرب التحرير الشعبية لأرض فلسطين المحتلة، وفرض معادلات القوة والردع في مواجهة الاحتلال.. وقد أدّت الإنجازات الهامة التي حققتها المقاومة الى تأجيج مشاعر العداء لكيان العدو والصهاينة، وإقدام رجل شرطة مصري على إطلاق النار على سياح صهاينة في مدينة الاسكندرية وقتل اثنين منهم.. مما يوجه ضربة قوية لمسار التطبيع مع كيان العدو، على انّ الإنجازات الهامة التي حققتها عملية المقاومة تسهم في تعطيل جهود حكومة العدو وواشنطن لإحداث اختراقات جديدة على صعيد توقيع اتفاقات تطبيعية جديدة من قبل بعض الحكومات العربية.
ثالثاً، الاحتمالات: من الواضح أنّ كيان الاحتلال تلقى ضربة موجعة وقاسية، ستدفعه الى القيام بردّ انتقامي، ولهذا أعلن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حالة الحرب.. الأمر الذي يطرح السؤال عن ماهية الاحتمالات التي سيتجه إليها نتنياهو وحكومته.. في هذا السياق ممكن القول انّ هناك واحداً من احتمالين:
الاحتمال الأول، ان يذهب العدو الى ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني عبر تنفيذ قصف جوي وبري وبحري يستهدف الأحياء السكنية ومقار المقاومة إلى جانب محاولة اغتيال قياداتها، وذلك انتقاماً للهزيمة التي ألحقتها به المقاومة الفلسطينية، وفي محاولة يائسة لاستعادة هيبته وقوة ردع جيشه وردّ الاعتبار له.. وهو ما يقوم به الآن.
الاحتمال الثاني، أن لا يكتفي العدو بعمليات القصف الوحشي وإيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف الشعب الفلسطيني، كما يفعل حالياً، ويذهب باتجاه تنفيذ اجتياح لبعض مناطق قطاع غزة، أو كامل القطاع في محاولة لتوجيه ضربة قوية للمقاومة وبنيتها، لكن جيش الاحتلال في هذه الحالة سيواجه مقاومة شرسة توقع في صفوفه خسائر جسيمة، وتجعل تقدّمه وتوغله في القطاع صعباً جداً ومكلفاً فوق قدرة الكيان على احتماله، إلى جانب احتمال ان يؤدّي العدوان الصهيوني وحجم الجرائم التي يتسبّب بها الى دخول محور المقاومة على خط المواجهة لدعم المقاومة في غزة، عبر جبهتي جنوب لبنان والجولان السوري، وما قيام المقاومة في لبنان بقصف مواقع الاحتلال في المناطق اللبنانية المحتلة إلا رسالة واضحة للعدو بهذا الاتجاه وانّ المقاومة لن تقف متفرّجة اذا ما تمادى كيان العدو في عدوانه على قطاع غزة.. وهو ما لا يريده نتنياهو وقادة جيشه، لأنّ حرباً واسعة على أكثر من جبهة ستكون لها نتائج وتداعيات زلزالية على كيان الاحتلال…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى