عبَروا… ومعهم التاريخ الآتي

‭}‬ أحمد بهجة
عبَروا… هي كلمة واحدة صحيح، لكنها تختزن كلّ المعاني والأبعاد والدلالات. فيها معنى البطولة والشجاعة، فيها أبعاد الإقدام والاقتحام، فيها دلالات القوة والافتخار في زمن الانتصارات بعدما ولّى زمن الهزائم إلى غير رجعة.
اليوم يُكتبُ التاريخ الآتي… ولن تكون أوراق الروزنامة بعد 7 تشرين الأول 2023 شبيهة بالأوراق السابقة التي تساقطت في فصول الخريف الماضية، بل هي في هذا الخريف مُشرقة زاهية مزهوّة بلون الأرجوان الذي اصطبغت به فلسطين… كلّ فلسطين.
طوفان الأقصى مستمرّ… وهو يتدفق شلالات من الخير والعزة والكرامة. لقد كُتب الكثير عما حصل يوم السبت الفائت وبعده… ولكن مهما أجادت الأقلام فإنها لن تصل إلى ما كتبه المقاومون بقلوبهم الصخرية وعزائمهم الشديدة وإراداتهم الصلبة.
أكثر من خمسة آلاف صاروخ في 30 دقيقة على المستوطنات الصهيونية في ما يُسمّى «غلاف غزة»، أيّ في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ثم أكثر من ألف مقاتل عبَروا في وقت قصير جداً وحرّروا جزءاً كبيراً من ذلك الغلاف الذي تبلغ مساحته حوالى 730 كيلومتر مربع أيّ ضعف مساحة قطاع غزة البالغة حوالي 360 كيلومتراً مربعاً، حيث يعيش أكثر من 30 ألف مستوطن صاروا كلهم بين أسير وجريح وقتيل بمن فيهم آلاف الجنود والضباط في جيش العدو الذي قيل يوماً إنه «جيش لا يُقهر» وإذا به مقهور ومشلول وعاجز أمام المقاومين العمالقة.
ومن هنا القول إنّ عملية «طوفان الأقصى» أدخلت العدو الإسرائيلي بجيشه واستخباراته وحكومته ومستوطنيه في حالة صدمة شديدة الوطأة، وسيبقى وضعهم كذلك إلى وقت غير قصير، لأنّ ما حصل هو كارثة بالنسبة لهم، ولا شكّ أنّ العقل الذي اجترح التسمية (طوفان الأقصى) هو عقل استراتيجي بامتياز لأنه استطاع تقدير النتائج مسبقاً، وأتت العملية الواسعة لتمثل طوفاناً جدياً جَرَف في طريقه كلّ ما كان الإسرائيليون يعتقدون أنه مكمن قوة لديهم.
وبعيداً عن العواطف والمشاعر التي قد تأخذنا أحياناً إلى المبالغة، فإنّ ما حصل على المستوى الاستراتيجي هو أمر كبير جداً، ولا بدّ أنّ استبيان نتائجه كلها بحاجة إلى بعض الوقت خاصة أننا لا نزال في خضمّ العملية وفي قلب المواجهة.
فها هو الجندي المصري يفعل فعله، وها هم الأردنيون الأشداء «يتسللون» والتعبير الأدق يعبُرون إلى الضفة الغربية، وها هي جبهة لبنان تتحرك مع مجموعات الشهيد القائد الحاج عماد مغنية على طريق تحرير ما تبقّى من أرضنا اللبنانية المحتلة وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر… بما يعني في تفسيرنا أنّ العبور إلى الجليل وارد في أيّ لحظة، وهو ما شاهدناه ورأيناه بأمّ العين في المناورة الكبيرة للمقاومة في معسكر عرمتى في جنوب لبنان.
إذن هي وحدة الساحات بالفعل وما علينا إلا المتابعة والانتباه لكلّ ما يجري من تطوّرات وإشارات، لا سيما ردّ فعل العدو الذي يهدّد ويتوعّد لكننا نعرف جيداً أنّ ما يستطيع فعله هو فقط التدمير والقصف من بعيد، أما على أرض الميدان والواقع فسوف يرضخ غداً أو بعده للشروط التي تضعها المقاومة خاصة في موضوع تحرير كلّ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال ووقف استهداف الأقصى بشكل كامل ومنع المستوطنين من تدنيسه أو التعرّض للمرابطين فيه..
وانّ غداً لناظره قريب…