«إسرائيل بحكم الضرورة العسكرية» كيانات مُفَرَّغَة من مضمونها الوجودي …
} نمر أبي ديب
ما بعد «طوفان الأقصى» ليس كما قبله، حقيقة ميدانية وضعت الجميع بمن فيهم الوجود الأميركي في المنطقة بحكم الضرورة العسكرية، التي باتت تمثل على أكثر من مستوى أمني وآخر عسكري، منعطفا وجوديا فقدَت من خلاله قوى أساسية دورها الاستراتيجي، الفاعل والمؤثِّر في تقاطعات المنطقة، وأيضاً في النظام العالمي القديم القائم على منطق الآحادية وأيضاً على «التبعية الدولية» التي فرضت على مستوى العالم العربي، «كياناً عنصرياً» غير قابل للتماهي وأيضاً للانصهار في بيئة تعتبر ممانعة حققت من خلالها «فصائل المقاومة الفلسطينية» تحديداً حماس، خرق جدي وحقيقي لجدار العظمة الاسرائيلية، الذي تهاوى تدريجياً على مسار الصياغة الحديثة للنظام العالمي الجديد «المتعدد الاقطاب كما المركزيات المالية» لاحقاً، ضمن تحوُّل عسكري استراتيجي لامست مفاعيله الميدانية حدود الصياغة العسكرية لخطوط التفوق على خارطة «الشرق الأوسط الجديد» وهنا تجدر الاشارة إلى أكثر من ناحية استراتيجية وايضاً وجودية في مقدمتها حال الجليل أو ما يمكن أن يكون عليه المشهد العسكري في فلسطين المحتلة، لحظة دخول المقاومة اللبنانية حرب الوجود الأولى.
أكَّدَت عملية طوفان الأقصى على وجود أكثر من حلقة مفرغة في بنية الجيش الاسرائيلي، وأيضاً في أجهزة الاستخبارات العالمية، الناشطة بشكل دائم على الساحة الشرق أوسطية، ونخص في الذكر «الولايات المتحدة الأميركية»، التي فشلت في تقدير الموقف الفلسطيني، وأيضاً في رصد مؤشرات الاجتهاد الأمني والعسكري المرفق لوجستياً بمطلق عملية عسكرية، نوعية كانت أم عادية.
على المستوى الاستراتيجي الخلل في «توازنات المنطقة العسكرية» ضربة قاسمة لوجودية للكيان الاسرائيلي من جهة ، وأيضاً للنواة العسكرية التي قامت عليها الغاية الأساسية من وجود الكيان ومهمته الاستراتيجية، وهذا يضع من وجهة النظر الاسرائيلية ومجمل مقاربات الحدث الأولية «عقدة الثمانين عام» على مسرح الحقيقة الفلسطينية القابلة للصياغة العسكرية وأيضاً للفرض من منطلق التعاظم المستمر في موازين القوى العسكرية، وحتمية التكامل الأمني والعسكري في جبهات المقاومة.
في سياقٍ مُتَّصل من الخطأ مقاربة المستقبل الاسرائيلي في مراحل وجودية بمعزل عن مكملات دولية ومتممات إقليمية ملتصقة على المستوى العسكري والأمني وحتى السياسي في بنية الكيان الاسرائيلي، من الخطأ أيضاً مقاربة مستقبل الكيان بمعزل عن الدول الحاضنة على أكثر من مستوى اقليمي ودولي هوية الكيان الاجرامية وسياسته العدوانية، التي شكلت على مدى سنوات وما زالت، ذراع عسكرية في المنطقة وأخرى أمنية للولايات المتحدة الأميركية، التي خرجت من أفغانستان مع ثقل وجودي غير مُريح، وسط تمدد عالمي استثنائي لكل من «روسيا الاتحادية والصين الشعبية»، ما يؤكد اليوم على محدودية الخيارات، وأيضاً على عدم تقبل الهزيمة السياسية كما العسكرية التي تعيشها اسرائيل واقعاً على الساحة الفلسطينية من خلال :
– نجاح الفصائل الفلسطينية في كسر قواعد الاشتباك والانتقال الاستراتيجي من مرحلة الدفاع إلى مراحل الهجوم التي باتت من خلالها «المقاومة» متقدمة على مستوى التخطيط والأمن الاستخباراتي بأكثر من خطوة ميدانية، رغم التهويل الذي تمارسه اسرائيل والتهديد العسكري المستمر.
– النجاح الفلسطيني في كسر منظومة الأمن الاسرائيلي ومعها استخبارات الدول الفاعلة في «فلسطين المحتلة» كما في مُجمَل الدول الشرق أوسطية وهنا تجدر الاشارة إلى واقع الكيان الاجتماعي إلى نشاط استيطاني غريب تلمس بفعل التحولات الكبرى في المنطقة، والمستجدات الأخيرة حجم «العبئ الوجودي» الذي بات يوفره الكيان المصطنع في هذه المرحلة.
– غياب البدائل، وأيضاً الجهوزية العسكرية، على أبواب «شتاء» لا تملك آلة الحرب الاسرائيلية امكانية التماهي أو حتى التكيف مع عوامله الطبيعية، ما يؤكد على أن الخيار العسكري بعمق الموقف الاسرائيلي مؤجَّل حتى الربيع القادم على أقل تعديل.
يعيش الداخل الاسرائيلي اليوم حلقات مفرغة في الأمن العسكري والسياسي، ما يجعله قاب قوسين أو أدنى من حرب وجودية في غير أوانها، وأيضاً من هجرة معاكسة فرضتها عوامل عديدة أبرزها غياب الضمانات الخارجية ومعها الدور المحوري الناظم «للنمط العسكري» في دول المنطقة.
اسرائيل على «مقصلة الزمن»، المنطقة بجميع مكوناتها السياسية وحتى العسكرية على «حافة الهاوية»، وما بين هذا وذاك حقائق وجودية، مع مسلمات استثنائية ضامنة لانتصار تاريخي يحققه أصحاب الأرض، ومُجمَل القوى المقاومة.