شهداء الكلمة…
} رنا العفيف
ليست هذة المرة التي يحاولون فيها إسكات الصحافة، ليست المرة الأولى ولا الأخيرة، وذلك بعد أن دأبت على تغطية ممارسات الاحتلال الوحشية على قطاع غزة، واستهداف المدنيين والأطفال والنساء، إلى جانب ما جرى في جنوب لبنان بالأمس باستهداف الطواقم الصحافية، واستشهاد أحد المصوّرين الصحافيين وجرح آخرين بشكل متعمّد، ماذا أرادت إسرائيل أن تقول للعالم وللبنانيين من خلال هذا الاستهداف؟
كلّ التقارير تقول إنّ «إسرائيل» كانت تعلم أنهم صحافيون، وكانوا بعيدين عن خطوط المواجهة والاشتباك، وأنها استهدفتهم بشكل متعمّد،
بات واضحاً تماماً أنّ العدوان الاسرائيلي والقتل الذي مارسته قوات الاحتلال على الصحافيين وما جرى في جنوب لبنان، يؤكد على جوهر المعركة التي تُخاض اليوم، باستهداف الصورة التي تتحكم بالمسار الحقيقي للجريمة الكبرى التي تُرتكب في خضمّ الحروب، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأميركية جهدت للتحكم بهذة الصورة، وتمّ تبني منطوق وسردية العدد الكامل على أساس هذة الصورة، لتأسيس منظومة المجازر الغير المسبوقة، إلى جانب المسح الجغرافي الحاصل، وبالتالي فعلياً ما قام به الاحتلال الصهيوني ضدّ هذه الكاميرات وأهلها، يوضح أمر العمليات الحقيقي الذي يحكم مسار المعركة، واليوم تُستهدف وسائل الاعلام عن سابق إصرار، لمحو الحقيقة ولو كانت حيادية إذ هذا الأمر ممنوع لدى هذا الكيان، لذا أيّ نقل للحقيقة عما تقوم به «اسرائيل» من انتهاكات وممارسات وحشية بحق الصحافيين أو المدنيين، يكون في دائرة الاستهداف وصولاً إلى القتل، مثل ما شاء القدر مع الشهيد عصام العبدالله ورفاقه، والتي نعَته وكالة «رويترز» الانكليزية التي يعمل لديها من دون أن تحدّد الجهة القاتلة لتضطر لاحقاً إلى تصحيح الأمر ولو بشكل جزئي وليس كما يجب…
انّ الاحتلال أراد نقل رسالة للعالم واللبنانيين وكلّ أطقم الصحافة في العالم باستهدافه الصحافيين للتعتيم على ما يحدث، محاولاً حجب الصورة الحقيقية عن العالم بالرغم من ارتداء الشارات الصحافية التي تفصح عن طبيعة عملهم، وهذا بالدليل يأتي ضمن قرار سياسي دولي وعلى رأسه الولايات المتحدة التي تقوم على التحريض الإعلامي والضغط السياسي والاقتصادي، بمخطط اسرائيلي يدفع الولايات بقرار ينتهك فيه كلّ القوانين الدولية والأعراف إلى عدوان إجرامي تجاه معركة الصورة وباستهداف مباشر لناقلي الواقع من غزة إلى جنوب لبنان، شهداء يرتقون برصاص الاحتلال والهدف الحقيقي من ذلك هو وأد وإسكات تغطية الهزائم السياسية والعسكرية من ضربات تراكمية قبل أن توجه إليها ملحمة طوفان الأقصى الضربة الكبرى.
وأمام مخطط اسرائيلي بغطاء غربي ملايين العرب والمسلمين بيستجيبون إلى نداء جُمعة طوفان الأقصى خرجوا في تظاهرات مندّدة بجرائم الاحتلال، وداعمة لفلسطين.
وبالتالي صورة الحقيقة تخيف الاسرائيلي الذي يعيش حالة إرباك مع تنامي قوة المقاومة الفلسطينية، لكن الأخطر ما يراه الإسرائيلي نفسه وسط نجاح المقاومة وما سبق عنها من معارك سحقت من يطلق على نفسه اسم «الجيش الذي لا يُقهر»، هذا الأمر يضع إسرائيل أمام التساؤل عن مصيرها الوجودي بفعل المقاومة الفلسطينية الراغبة في استكمال معركتها حتى تحرير القدس وفلسطين المحتلة، وهذا تجلى في أكثر من مشهد رداً على المجازر التي يُمارسها الاحتلال بحق المدنيين، لتكمن أسباب أخذ القرار باستهداف الصحافة هو تصفية القضية الفلسطينية بكلّ ما للكلمة من معنى.
المعركة بكلّ أشكالها وأنواعها تأتي في توقيت مواز لمعركة طوفان الأقصى ومعركة جوهر الحقيقة في هذه الصورة لا تقلّ أهمية عن المعركة العسكرية أو الميدانية لأنها تأتي ضمن معركة تصفية القضية الفلسطينية التي خلفها «إسرائيل» وأمييكا لأسباب تتمحور ضمن إعادة تشكيل المنطقة.
في المحصلة، فإنّ الاسرائيلي لا يمكن أن يخفي جريمته وهي مقصودة ومدبّرة، وعملية اغتيال الحقيقة هي مكتملة الأركان بالصوت والصورة…