جريمة العصر في المستشفى المعمداني: بين أهداف حكومة نتنياهو والاحتمالات
} حسن حردان
يمكن وصف المجزرة المروعة التي ارتكبها العدو الصهيوني في المستشفى المعمداني في غزة، والتي أسفرت عن ارتقاء مئات الشهداء والجرحى من أطفال ونساء وشيوخ، بأنها جريمة العصر، تتوّج مسلسل من المجازر الجماعية التي نفذها ولا يزال العدو على مدى الأيام الـ 12 الماضية من العدوان المتواصل على قطاع غزة، على مرأى من العالم أجمع، وبشراكة من الإدارات الاستعمارية في واشنطن وعواصم الغرب الاستعمارية، التي قامت بتوفير الدعم والغطاء لحكومة الحرب الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، للقيام بهذه الفظاعات واستباحة دماء الشعب الفلسطيني، في سياق حرب الإبادة التي يشنّها جيش الاحتلال ضدّ البشر والحجر في قطاع غزة، في محاولة يائسة لأجل تحقيق جملة من الاهداف، أبرزها:
أولاً، الانتقام من أبناء غزة وتدفيعهم ثمن الهزيمة المدوية، التي مُنيَ بها جيش الاحتلال على يد رجال المقاومة في السابع من الشهر الجاري، وأدّت الى زلزلة كيان الاحتلال وعواصم القرار في الغرب..
ثانياً، محاولة إرهاب الشعب الفلسطيني وإضعاف معنوياته، والقول له بأنه ليس هناك مكان آمن في القطاع يحتمي به، لإجباره على الهجرة مرة جديدة من أرضه فلسطين إلى صحراء سيناء المصرية، في محاولة لتكرار نكبة فلسطينية ثانية، وقيام جيش الاحتلال بتدمير قطاع غزة بالكامل، وسحق المقاومة والقضاء عليها، وصولاً إلى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضية فلسطين لمصلحة تكريس احتلال الكيان الصهيوني لكلّ فلسطين التاريخية…
ثالثاً، تمكين نتنياهو من تحقيق نصر لترميم صورة جيشه المحطمة، وتجنيبه تداعيات الهزيمة التي ألحقها به هجوم المقاومة المباغت، وحماية المستقبل السياسي لنتنياهو والنجاة من المحاسبة إسرائيلياً ودفع الثمن باعتباره المسؤول الأول عن هذه الهزيمة.. وهو ما يفسّر أحد أسباب الجنون والهستيريا التي تميّز تصريحاته ومواقفه النازية الداعية إلى مسح قطاع غزة.
لكن السؤال الذي يطرح، هل سينجح نتنياهو وحكومة حربه، في تحقيق هذه الأهداف؟
من الواضح أنّ حكومة العدو وجنرالات جيش الاحتلال، يهربون من الدخول إلى غزة ومواجهة المقاومة في ميدان القتال المباشر، خوفاً من الكلفة الباهظة التي تنتظرهم، وتكرار مشهد هزيمتهم في لبنان أثناء حرب تموز، ولهذا أجلوا شنّ الحرب البرية أكثر من مرة، وبدأوا يتحدثون عن شيء آخر غير الهجوم البري، تجنباً للتورّط في حرب برية مكلفة في مواجهة مقاومة برهنت عن قدرة وكفاءة وجاهزية لخوض القتال ضدّ جيش الاحتلال، وركزوا على قصف القطاع عن بعد بواسطة الطيران والمدفعية من البر والبحر، مع تشديد الحصار ومنع الكهرباء والمياه ودخول الغذاء والأدوية إلى غزة.. رهانا بأن يؤدّي ذلك إلى تحقيق الأهداف المذكورة آنفاً…
غير انّ مثل هذا الرهان الإسرائيلي يواجه مصاعب كبيرة، بسبب العوامل التالية:
العامل الأول، قرار الشعب الفلسطيني بالصمود والبقاء في أرض فلسطين وعدم الهجرة منها رغم المجازر التي يتعرّض لها.. وهذا ما يؤكده أبناء غزة بعد كلّ مجزرة ارتكبها العدو بحقهم.
العامل الثاني، نجاح المقاومة في الاستعداد جيداً لمعركة طويلة ولمواجهة ايّ اجتياح بري صهيوني للقطاع، وتوفير الإمكانيات لخوض حرب استنزاف لعدة أشهر، وهو ما تؤشر إليه قدراتها على مواصلة إطلاق الصواريخ من شمال غزة على مدن ومستعمرات الاحتلال، مما يفقد العدو صوابه..
العامل الثاني، عدم استعداد الكيان تحمّل حرب استنزاف طويلة، في ظلّ الشلل التام في كلّ مناحي الحياة، لأنّ استمرار الحرب مدة طويلة سوف يؤدي إلى زيادة كلفتها مادياً واقتصادياً بالنسبة للكيان على نحو غير مسبوق، والتسبّب بإضعاف التماسك الإسرائيلي وارتفاع الأصوات المطالبة بوقف الحرب، ورفع منسوب الهجرة المعاكسة من فلسطين المحتلة إلى الخارج، بسبب ازدياد فقدان الثقة بقدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن والاستقرار للمستوطنين.. وفشله في مواجهة المقاومة.
العامل الثالث، احتمال أن يؤدّي استمرار العدوان والمجازر وايّ خطر يهدّد صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، إلى توسع دائرة الحرب لتشمل جبهات أخرى، وهو ما يعني تعرّض كيان الاحتلال لقصف يومي بآلاف الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة من قبل أطراف محور المقاومة والقادرة على تدمير كلّ المواقع والمنشات الحيوية في الكيان وتغيير الخارطة الجغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
العامل الرابع، ارتفاع منسوب الغضب لدى الرأي العام العالمي ضدّ العدوان الصهيوني، والمجازر التي ينفذها، مما يرفع معنويات الشعب الفلسطيني ويعزز مقاومته، ويولد ضغوطاً على حكومات دول العالم، بما فيها الحكومات الغربية، للضغط على حكومة نتنياهو لوقف العدوان، وما حصل من ردود فعل شعبية واسعة في كلّ عواصم العالم بما فيها عواصم الغرب، يدلل على ذلك، مما انعكس تبدّلاً في مواقف الكثير من الحكومات، التي كانت إما تدعم وتسوّق الرواية الصهيونية الأميركية، أو تتخذ مواقف خجولة وتساوي بين الجلاد والضحية، الأمر الذي تجسّد في المسارعة الى إصدار مواقف إدانة للمجزرة الصهيونية والمطالبة بوقف النار، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة..
من هنا فإنّ نتنياهو قد يهرب من التوغل في قلب قطاع غزة تجنباً للغرق في حرب استنزاف قاسية يشلّ فيها دور الطيران، الى جانب احتمال تحرك خلايا المقاومة التي لا تزال موجودة في غلاف غزة بعد هجوم المقاومة وقيامها بعمليات استنزاف لجيش الاحتلال من الخلف مما يربك هجومه البري، هذا الى جانب احتمال توسيع المقاومة لبنان من منسوب هجماتها ضدّ جيش الاحتلال على طول الجبهة من شمال فلسطين ولتطال أيضاً عمق الجليل، ولهذا قد يلجأ نتنياهو إلى خيار تنفيذ عملية برية سريعة تقتصر على محاولة احتلال شمال غزة بعد التدمير الممنهج له، وفي حال وجد صعوبة في ذلك فإنه قد يلجأ إلى الاكتفاء بمحاولة السيطرة على المناطق الخالية من السكان على طول قطاع غزة ونقل الشريط الشائك إليها، لإبعاد خطر ايّ عمليات للمقاومة في غلاف غزة في المستقبل، والقول إنه حقق نصراً ما يخفف من نقمة الرأي العام الإسرائيلي الذي يحمّله مسؤولية الفشل العسكري والأمني والاستخباري في مواجهة هجوم المقاومة.. ومع ذلك يجب أن نضع بالحسبان المأزق الكبير الذي بات فيه الكيان ونتنياهو، بسبب النتائج التي أدّى إليها هجوم المقاومة المباغت، وحصول نتنياهو على دعم غير مسبوق من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على المستويات كافة، وتوّج ذلك بزيارة بايدن إلى تل أبيب وتجديد دعمه للكيان وتبني رواية نتنياهو في تزييف الحقائق وتشجيعه على مواصلة حرب الإبادة التي يشنّها ضدّ قطاع غزة والمدنيين العزل فيه…