بايدن وموسم الزيارات الغربية إلى المنطقة
} سعادة مصطفى أرشيد*
حرب تشرين الثانية حدث سيدخل التاريخ من بابه الواسع، فقد أعدّت بعناية في التوقيت والتخطيط والتنفيذ، وكان النجاح الذي تحقق في الساعات الأولى هو نتيجة من أهمّ نتائج الحرب التي لا تزال مستمرة، وثمرة تعاون للقوى المقاومة في الإقليم، وتبدو معالم النجاح والنصر في بدايتها، ولا أظن أنّ في ما تقدّم مبالغة انفعالية ورغبوية في غير محلها. فهذه الحرب طالت أم قصرت عن تلك السويعات، فقد حققت النتائج المطلوبة من اجتياح واقتحام لقواعد ودشم عسكرية ومستوطنات محصنة وتلك مسألة لا يمكن لكلّ ما قد تقوم به دولة الاحتلال من مجازر أن تتجاوزه او ان تقفز عليه.
«الإسرائيلي» القوي الجبار الذي بدا من ورق وكرتون قد أصبح جريحاً في جسده ومطعوناً في قدراته العسكرية والاستخبارية التي توهّمها العقل المهزوم عند بعض منا على أنها متفوّقة ولا تقهر. فأصبح لا يملك لاسترداد هيبته إلا الهدم والتدمير وارتكاب المجازر، الأمر الذي لم ولن يُعيد إليه هيبة بقدر ما يدلّ على شعوره بالعجز. هذا مما أدّى الى ارتكابه الحماقات التي لا بدّ له من ارتكابها بقتل المدنيين والأطفال كما جرى يوم الثلاثاء في مجزرة المستشفى المعمداني.
سوء الحظ يلازم «الاسرائيلي» هذه الأيام، فقد ارتكب مجزرته هذه فيما يتوافد قادة العالم الغربي الأبيض للتضامن والمشاركة مع كيان الاحتلال في التغطية على جرائمه، الأمر الذي اضطرهم الى ممارسة الكذب الصارخ والوقح في ادّعائهم تصديق الرواية «الإسرائيلية» التي لم يصدّقوها هم والتي يؤكد كذبها ما لديهم من تكنولوجيا وأقمار صناعية تدحض هذه الرواية.
فشلت القمة التي كانت ستجمع الرئيس الأميركي بايدن الأربعاء في عمّان مع ثلاثة أطراف محايدة جداً حتى وقوع المجزرة، اذ كانت تساوي بين الذات والعدو بين الأخ والخصم وبين الضحية والجلاد، ولكن المجزرة والحماقة «الإسرائيلية» حرمتهم وحرمت الرئيس بايدن ونتنياهو أيضاً من فرصة إبقاء هؤلاء على الحياد، فقد اضطروا الى إلغاء القمة واتخاذ مواقف أكثر صراحة بغضّ النظر عن جديتها، فيما اكتفى الرئيس الأميركي بزيارة كيان الاحتلال.
سبق الرئيس بايدن في الوصول الى مطار اللدّ مستشار ألمانيا الضعيف أولاف شولتز الذي وصف المقاومة بالإرهاب والنازية، فيما قال بايدن في مؤتمر صحافي جمعه مع بنيامين نتنياهو صباح (أمس)، انّ المقاومة هي داعش أخرى، ويجب التصدّي لها، وانه يصدّق الرواية «الاسرائيلية» بأنّ صواريخ المقاومة الفاشلة قد ضلّت طريقها وسقطت على المستشفى المعمداني، محمّلاً المقاومة المسؤولية عن المجزرة، مؤكداً للحكومة «الإسرائيلية» والمستوطنين، انّ المشتركات كثيرة بين الأميركي والغربي من جانب و»الإسرائيلي» من جانب آخر. فالقيَم واحدة والمصالح مشتركة، وانّ الولايات المتحدة تفتخر بـ «إسرائيل» وتقف معها وتدعمها وتعمل على تمكينها من خوض هذه المعركة، ولكن الأهمّ أننا نتطلع الى محادثات لاحقة معمّقة.
لعلّ العبارة الأخيرة هي الأهمّ، فما قاله الرئيس الأميركي، في المؤتمر الصحافي كان كلاماً للعلن ولشدّ العصب «الاسرائيلي»، مؤكداً وقوفه الى جانب «إسرائيل» واستعداده لتقديم شهادات زور لصالحها، ولكنه أبقى شيئاً للحديث الخصوصي المهمّ والذي بموجبه يتحدّد انْ كان هناك اجتياج برّي لغزة وما هي حدوده أم لا.
خطاب نتنياهو بعد أن أخذ هذه الجرعة المعنوية من حلفائه الغربيين، وكأنّ لسان حاله يقول طالما أنّ المستشار الألماني يرى في المقاومة الفلسطينية نازية جديدة، وأنّ الرئيس الأميركي يراها داعش أخرى، إذاً فعلى الغرب مشاركتنا في الحرب بكلّ ما أوتي من قوة، وصولاً الى المشاركة الميدانية، فهي حرب العالم الحر وأفكاره الليبرالية ضدّ النازية والإرهاب.
لكن الصورة لا تكتمل برؤية جانب واحد منها، ففي المنطقة زائر آخر أصبح شبه مقيم بين دمشق والضاحية الجنوبية، الوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يظهر في معظم نشرات الأخبار منذ بدء الحرب ويطلق كلاماً مشفراً يزيد من قلق «تل أبيب» وحلفائها، وأمس الأربعاء كان له تصريح مقتضب تعليقاً على المجزرة قال فيه: لقد انتهى الوقت، وأنّ تحركاً وقائياً لمحور المقاومة متوقع بالقريب. فهل ذلك مرتبط بالهجوم «الإسرائيلي» البري؟ ربما. ولكن العالم قد أخذ يحبس أنفاسه بانتظار الخبر اليقين المرتبط مع إطلالة الأمين العام لحزب الله.
هذه المعركة ليست معركة فلسطين أو معركة غزة أو حركة حماس، إنها معركة المحور في مواجهة الكيان الغاصب، وربح المعركة هو ربح للجميع تُضاف الى أرباح تراكمت وتتراكم في معارك وحروب مقبلة، أما خسارة المعركة فإنها تعني نهاية مبرّرات وجود المحور وفقدانه وظيفته.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.