رسالة للعالم تزن 100 ألف طن…
د. علي أكرم زعيتر
ماذا يعني وصول حاملة الطائرات الأميركية يو أس أس جيرالد فورد (USS Gerald Ford) إلى المياه الإقليمية اللبنانية والفلسطينية؟
للإجابة على هذا السؤال، دعونا أولاً نعطي نبذة سريعة حول ماهية يو أس أس جيرالد فورد هذه، وحول مميّزاتها وطبيعة المهام التي توكل إليها في حالتَي السلم والحرب.
تُعدّ حاملة الطائرات يو أس أس جيرالد فورد (USS Gerald Ford) من أكبر وأحدث حاملات الطائرات في العالم، فطاقمها البشري يفوق الخمسة آلاف بحار عسكري، وتضمّ إلى جنباتِها76 طائرة حربية من أنواع مختلفة، بالإضافة إلى طرَّادات ومدمرات، وهي رسالة للعالم وفق تعبير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تزن حوالي مئة ألف طن، وتعمل بالدفع النووي، وقد سُمّيت بهذا الاسم تيمناً بالرئيس الثامن والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية جيرالد فورد.
وفي بيان له قال الجيش الأميركي، إنّ لحاملة الطائرات يو أس أس جيرالد فورد مهمة واحدة، وهي منع أيّ طرف من التصعيد أو توسعة رقعة المواجهات في منطقة الشرق الأوسط.
ويُعدّ هذا البيان بمثابة ضابطة أو حاصرة، فإذا ما تخطَّتها إحدى فصائل أو دول محور المقاومة تحركت الحاملة إياها وأمطرتها بوابل من صواريخ طائراتها الحربية.
يبدو أنّ هناك معلومات وصلت إلى الإدارة الأميركية تفيد عن نية دول محور المقاومة فتح جبهة جديدة شمال فلسطين المحتلة، الأمر الذي استدعى تحرك الحاملة نحو المياه الدافئة. ولكن هل دول محور المقاومة حقاً بوارد التحرك ميدانياً؟
من يراقب سير العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب الله في جنوب لبنان يدرك سريعاً، أنّ لدى الحزب نية مبيّتة للدخول في الحرب، أو هذا على الأقلّ ما يبدو للرائي من بعيد، ولكن يحقّ لنا أن نسأل مجدّداً، هل لحزب الله مصلحة في دخول الحرب، أو على نحو أدقّ هل ينوي حزب الله فعلاً الانخراط في الحرب؟
إن مَثَل حزب الله كمثَل أيِّما جيش من جيوش المسلمين، كُتِب عليه القتال وهو كره له. فالقتال في الإسلام ليس ترفاً، ولا ينبع عن رغبة دفينة في نفوس المسلمين. فالمسلمون ليسوا هواة حرب ولا طلاب قتال، بل طلاب حياة، ولكن إذا فرضت عليهم فلا مناص من خوضها. بهذه العقلية يتعاطى حزب الله مع الأمور، فالحرب ليست هوايته المفضلة، وإنما وسيلة لردع المعتدي.
وقد وضع محور المقاومة وفي مقدمته حزب الله معادلة واضحة، إذا تخطتها (إسرائيل) فلا مفرّ من دخول حزب الله أتون الحرب، وهي تشبه إلى حدّ ما معادلة السيد حسن نصر الله في حرب تموز (أيها الإسرائيليون، إذا اجتحتم غزة برياً، فلا تتفاجؤوا إذا فتحنا عليكم أبواب الجحيم من الشمال)، فهل ستجرؤ “إسرائيل” على خوض غمار تجربة الاجتياح البري؟
صراحةً، لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال، فالأمور لا تزال غير واضحة. ولكن بحسب القراءة العامة للمشهد، فإنه من المستبعد أن تنخرط “إسرائيل” في حرب برية، وذلك للأسباب الآتية:
أ ـ لا قدرة لـ “إسرائيل” على خوض حربين على جبهتين منفصلتين، جبهة الجنوب ضدّ حركتَي حماس والجهاد وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، وجبهة الشمال ضدّ حزب الله وربما سورية أيضاً.
ب ـ ليس بوسع أميركا ولا أوروبا تأمين الدعم والإمداد الكافيَين لـ “إسرائيل”، وذلك بسبب انشغالهما بالجبهة الأوكرانية.
هناك في أوروبا فكرة سائدة تقول: إنّ خطر الدب الروسي لا يعادله أيّ خطر آخر. صحيح أنّ بقاء “إسرائيل” حاجة غربية، ولكنها ليست حاجة ملحّة بقدر درء الخطر الوشيك الذي تمثله روسيا. وبما أنّ الغرب لا قِبَل له برفد جبهتين بالسلاح والمال، نظراً لحالة الاستنزاف العسكري والمالي التي أوصلته إليها روسيا، فمن المرجح برأينا أن يضغط على “إسرائيل” باتجاه منع تورّطها في معركة برية على الجبهة الجنوبية (غزة) فضلاً عن الشمالية (جنوب لبنان).
ج ـ لا ينبغي أن ننسى أن لـ “إسرائيل” أعداداً كبيرة من الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، فهل ستتعامل مع هذه المسألة وفقاً لتوصيات بروتوكول هنيبعل (اقتلوا الآسر والأسير)؟! من المستبعد أن تقدم على ذلك، ففيه تهديد لمستقبل حكومة نتنياهو.
د ـ حتى الآن لم تعيّن “إسرائيل” الساعة الصفر لبدء الهجوم البري على غزة، وذلك بالرغم من اجتماع مجلس الحرب (الكابينت) عدة مرات. بعض المراقبين يرون أنّ ذلك مردّه إلى تردّد القيادة الإسرائيلية في خوض غمار تجربة اجتياح بري، بسبب تهديدات دول وفصائل محور المقاومة بفتح جبهة جديدة، بينما يرى مراقبون آخرون أنّ ذلك مردّه إلى عدم اكتمال التحضيرات، فـ “إسرائيل” تمهّد وفق هؤلاء للاجتياح البري عبر القصف الجوي المكثف، بغرض ضعضعة دفاعات حماس والفصائل الأخرى، وعليه ما إن تنهي تمهيدها الجوي حتى تنطلق بعملياتها البرية. وما بين هذين الرأيين نجد أنفسنا ميالين إلى التزام الصمت، إذ ليس بمقدور أحد أن يعرف حقيقة ما يفكر به قادة الاحتلال.
إذا ما عطفنا الأسباب التي تحول دون انخراط “إسرائيل” في حرب برية ضدّ غزة على خبر وصول حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى المياه الدافئة، نصل إلى استنتاج مفاده: أنّ الأوامر التي أعطتها قيادة القطعات البحرية في الجيش الأميركي لجيرالد فورد بالتوجه إلى شرق المتوسط لا تعدو أن تكون عرض عضلات، وفي أحسن الحالات لا تعدو أن تكون محاولة لرفع معنويات الحكومة الإسرائيلية، أو ثني قوى محور المقاومة عن فتح جبهة جديدة في الشمال.
الحقَّ نقول، إنّ الاجتماع المرتقب لمجلس الحرب الإسرائيلي (الكابينت)، على قدر عالٍ من الأهمية، ففيه يُفرّق كلّ أمر عظيم، فإما أن يتخذ قراراً باجتياح بري لغزة، وإما أن يحجم عن ذلك، ولا معلومات حتى الساعة عن القرار الذي اتُّخذ.
بيد أنه، وفي كلتا الحالتين، فإنّ هناك من المراقبين من يقول: واهم من يظنّ أنّ محور المقاومة سيدخل الحرب بمجرد بدء الاجتياح البري لغزة، فالمعروف عن محور المقاومة أنه لا يتدخل نصرة لإحدى حلقاته، إلا إذا استحكم العدو منها، أو ضاق الخناق عليها، أما خلا ذلك فمن المرجح أن يبقى المحور على أهبة الاستعداد ريثما ينجلي غبار المعركة في غزة.