أولى

بين طوفان الأقصى وإعصار الشّمال

‭}‬ شوقي عواضة
الحرب في غزّة وعين العدوّ على الشّمال وسط حالة من التّخبّط التي يعيشها الكيان ما بين طوفان الأقصى وإعصار الشّمال القادم من حزب الله في معركةٍ كشفت مدى هشاشة الكيان وجيشه (الذي لا يُهزم!) مسجّلة نصراً متميّزاً للمقاومة ومحورها وفشلاً ذريعاً للعدوّ الصّهيونيّ على المستويات الأمنيّة والاستخباريّة والعسكريّة والسّياسيّة وأسقطت نتنياهو في هوّة لن ينجو منها وكبّلته بقيود لجنة فينوغراد 2 التي تنتظره عند أوّل فرصة بعد حسم المعركة.
الفشل الثّلاثي الأبعاد للكيان الصّهيوني حاولت الولايات المتحدة الأميركيّة استدراكه في محاولة لإنقاذ ما تبقّى من (هيبة الكيان المؤقّت) ليخرج الرّئيس الأميركي جو بايدن في العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر في كلمة له على وسائل الإعلام محدّداً معلناً ردّ الولايات المتحدة على هجوم «حماس» غير المسبوق، ومحذّراً الجهات الفاعلة الحكوميّة وغير الحكومية الأخرى من التدخّل. مصدراً تعليماته بإرسال مجموعة «حاملة الطّائرات الهجوميّة» من طراز «يو إس إس جيرالد فورد» (USS Gerald R. Ford) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، في إطار عمليّة انتشار لا تهدف إلى ردع إيران ووكلائها فحسب، بل للرّدّ أيضاً على العمليّة (الإرهابيّة) على حدّ وصفه، وبذلك أكّدت إدارة البيت الأبيض عمليّاً هشاشة هذا الكيان ووهنه ومنظومته الأمنيّة والعسكريّة بانضمام الولايات المتحدة إلى القتال، أو على الأقلّ محاولتها دعم وتعزيز قدرات الرّد الصّهيوني في غزّة وعلى الجبهات كافّة ومنها الجبهة الشّمالية في حال اتسعت رقعة الاشتباك وتعدّدت ساحات المواجهة وعليه فقد زوّدت واشنطن الكيان الصّهيوني بالمزيد من الذّخائر والصّواريخ خاصّة القبّة الحديديّة وأرسلت أيضاً مجموعة «حاملة طائرات هجوميّة» ثانية من طراز «يو إس إس أيزنهاور» (USS Eisenhower) لتعزيز قدرات الردّ الاسرائيليّ من خلال توفير صورةٍ جويّةٍ محسَّنة تتيح دفاعاً أفضل ضدّ الصّواريخ البعيدة المدى.
اليوم وبعد مرور ثلاثة عشر يوماً من بدء معركة طوفان الأقصى وبالرغم من الدّعم العسكريّ الأميركيّ المفتوح واللّامحدود للكيان، فشل الكيان وخلفه الولايات المتحدة الأميركيّة في تحقيق أيّ تقدّم على المستوى الاستراتيجيّ أو إنجاز أيّ هدف من أهداف عمليّة (سيوف الحديد) التي أعلنتها القيادة العسكريّة للعدوّ الصّهيوني وفقاً للآتي:
1 ـ القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينيّة في غزّة.
2 ـ تدمير الترسانة الصّاروخيّة لحركتي حماس والجهاد الإسلاميّ وسائر فصائل المقاومة في غزّة.
3 ـ تحرير الأسرى الصّهاينة الذين تمّ أسرهم في عمليّة طوفان الأقصى.
أهداف ثلاثة توّجت بفشلٍ آخر للعدوّ الصّهيوني وبهزيمةٍ أخرى تضاف إلى سجل هزائم الكيان المؤقّت وخلفه الولايات المتحدة الأميركيّة والغرب الدّاعم المتضامن مع الكيان الصّهيوني. تضامن زاد من إجرام ودمويّة جيش العدوّ الصهيوني وكشف الوجه الحقيقي لأوروبا (الدّيموقراطيّة) وإنسانيّتها الزّائفة. فالعدوّ الصّهيونيّ المتخبّط في فشله وهزائمه أعلن مراراً عن عزمه اجتياح غزّة برّاً لاستكمال عدوانه ضمن عمليّة الرّدّ على طوفان الأقصى التي عجز عن حسمها وعينه على طوفان حزب الله الآتي من الشّمال. الذي يشتعل يومياً باستهداف حزب الله لمواقع الاحتلال الصّهيوني في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا وبعض المستوطنات الصّهيونية وعلى امتداد الحدود وصولاً الى منطقة الجليل التي تمّ إجلاء المستوطنين منها وإعلانها منطقةً عسكريّةً ضمن عمق خمسة كيلومترات حتى الآن، مما أربك حركة العدوّ الذي ترتفع نسبة خسائره على الجبهة الشّمالية يوماً بعد يوم نتيجة استهداف المقاومة الإسلاميّة لمواقعه ومستعمراته. أمر استدعى بعض القيادات العسكريّة الصّهيونيّة والباحثين الخبراء العسكريّين الأميركيّين إلى طرح المزيد من الاحتمالات حول اتساع رقعة الاشتباكات أو فتح جبهة الشّمال.
في هذا الصّدد طرح اللّواء السّابق في «جيش العدوّ الاسرائيليّ»، الذي شغل منصب نائب رئيس أركان جيش العدوّ سابقاً والمتخصّص بالشّؤون العسكريّة في معهد واشنطن يائير غولان ثلاثة سيناريوات قد تحثّ «حزب الله» على تنفيذ ردٍّ عسكريٍّ مباشر. السيناريو الأوّل هو قيام إسرائيل بشنّ عمليّةٍ واسعة النّطاق داخل غزّة واستنتاج «حزب الله» أنّ الشمال هو أكثر عرضة للهجوم. والسيناريو الثّاني هو قيام «إسرائيل» بتوجيه ضربةٍ استباقيّةٍ ضدّ «حزب الله» تحسّباً لأيّ هجوم كبير من الشّمال. والسيناريو الثّالث هو انخراط إيران عبر إطلاق صواريخ من أراضيها أو من العراق أو سورية أو اليمن. ومن شأن هذه السّيناريوات أن تؤدّي بدورها إلى تحديد معالم التدخّل الأميركي.
لذلك، يتعيّن على صنّاع القرار أن يأخذوا في الاعتبار جميع الاحتمالات والمسارات. وإذا قرّرت «إسرائيل» النّظر في توجيه ضربة استباقية، فيجب أن تنسّق مع الولايات المتحدة.
في حين رأى مدير برنامج السياسة العربيّة في معهد واشنطن ديفيد شينكر أنّ حزب الله المسلّح بصواريخ بعيدة المدى وطائراتٍ انتحاريّةٍ بدون طيار، يشكّل تهديداً حقيقياً للتدخّل الأميركي في شرق البحر الأبيض المتوسط، مثلما فعل في حرب عام 2006 عندما أصابت صواريخه الإيرانيّة فرقاطة (ساعر) الصّهيونية، ويضيف شينكر وفقاً للتقييمات الحالية فإنّ حزب الله ضاعف مدى صواريخه المضادّة للسفن منذ عام 2006، وهذا واقعٌ يجب أن يأخذه المخطّطون الأميركيّون في الاعتبار عندما ينشئون محيطاً حذراً. كما يجب أن يراقبوا عن كثب المناورات البحريّة التي تجريها إيران في الخليج العربي لتعزيز موقفها الدّفاعي. وهذا يعني أنّ الأميركيين لهم حساباتهم في المواجهة خاصّة أنّ هزيمتهم النكراء في لبنان عام 1983 لا تزال محفورةً في الذّاكرة الأميركيّة، حينها لم نكن نملك صواريخ ولا مُسيّرات وهزمنا قوّات النّخبة من المارينز وولّت حاملة الطّائرات نيوجرسي تجرّ أذيال الهزيمة خلفها وانتصرنا في زمن عماد مغنية وحبيب الشرتوني وهزمنا المشروع الأميركيّ الصّهيوني، فما حال اليوم الذي باتت فيه المقاومة تمتلك ترسانات من الصّواريخ الدّقيقة والطّائرات المُسيّرة، حينها سترون أيّ مصير ينتظر الأميركيّون وغيرهم إذا ما اعتدوا على لبنان فانتظروا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى