بايدن حليف مخلص لكن ماكرون عميل وضيع
ناصر قنديل
– لم يُخفِ الرئيس الأميركي جو بايدن موقفه العقائدي الداعم لكيان الإحتلال، وهو جاهر مراراً بأنه صهيوني، وهو القائل منذ زمن بأنه لو لم تكن «إسرائيل» موجودة لوجب على أميركا إيجادها، والتماثل بين النموذج الأبيض العنصري في أميركا، الذي قام على إبادة السكان الأصليين، يشكل أحد عناصر خلفية نظرة الكثير من الأميركيين للكيان، إضافة لموقعه الوظيفي في تخديم المصالح الأميركية بصفته العصا الغليظة التي طالما تمّ تكليفها بضرب كل مشروع نهضة وطنية وقومية في المنطقة. وخلال هذه الحرب لم يتردد الرئيس بايدن في المسارعة لإحاطة كيان الاحتلال وجيشه بكل أشكال الدعم والمساندة، لتمكينه من التقاط أنفاسه والوقوف على قدميه بعد الصفعة المزلزلة التي تلقاها، على قاعدة إدراك التلازم المصيري والوجودي، بين كل مسعى لحضور قوي لأميركا في المنطقة وقوة كيان الاحتلال وبقائه. ولذلك فإن آخر ما يهم بايدن هو حدود ما تسمح به القوانين والمواثيق الدولية، بقدر ما يهمه تعافي الكيان من الصدمة واسترداد زمام المبادرة، وهو جاء بحاملات الطائرات والبوارج ليساعد الكيان في استعادة ثقته بقدرته على تحقيق الإنجاز العسكري، لكن لرعاية أدائه بصورة لا تؤدي الى تعميق الكارثة، ولم يتردّد في التصرّف كموظف في ماكينة الدعاية الصهيونية لترويج الأكاذيب مرتين مشهودتين، مرة في تبنيه وتسويق لرواية حرق الأطفال وقطع رؤوسهم واغتصاب النساء في سرديته عن يوم 7 تشرين، ومرة ثانية في روايته عن قصف المستشفى المعمداني وتبرئة الكيان من المسؤولية.
– بايدن الحليف المخلص للكيان، يفتح عينه على مراقبة التحول في الشارعين العربي والغربي، بعكس مصلحة الكيان، وتقدمه كلاعب فاعل يفرض إيقاعه، ويستشعر خطورة أن يؤدي المزيد من نهوض الشارعين الى تقييد حدود الحركة الإسرائيلية العسكرية الوحشية، فيدعو الى تنفيس الاحتقان الشعبي ببعض الخطوات المسرحية مثل إدخال البعض الذي لا يقدم ولا يؤخر في مأساة غزة، من المساعدات الإنسانية، عشرين شاحنة من أصل سبعة آلاف تنتظر، ويفتح قوسين لحلحلة جزئية في بعض ملفات الرهائن، يخاطب بها الشارع الأميركي، ويتدارس قادته العسكريون مع قادة جيش الاحتلال درجة جاهزية الفرص والمعطيات لعملية عسكرية برية، ويتولى دراسة خطوات التحذير وما يسمّيه الردع بعناية، لأن الهدف ليس الاستعراض، ولا تقديم أوراق الاعتماد، فهو جاهز للعمل لخلع نتنياهو إذا تبلورت فرصة لإنقاذ الكيان عبرها، وآخر ما يعنيه رضا نتنياهو، لأن ما يهمّه هو حماية الكيان وقوته، وكيف يمكن منع دخول محور المقاومة على خط الحرب بصورة أوسع عندما تتوسّع الحرب، ويدرك أن العنتريات لا تنفع هنا، ويحاول بلوغ الهدف بخطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.
– إيمانويل ماكرون هو رئيس فرنسا، وهي فرنسا التي قررت وقف بيع السلاح الى كيان الاحتلال عام 1967، في موقف تاريخي تضامني مع الحق العربي اتخذه رئيسها الذي حرّرها من الاحتلال النازي الجنرال شارل ديغول. وهي فرنسا التي أقام وزير خارجيتها هيرفيه دو شاريت في دمشق لعدة أيام في نيسان 1996 بتكليف من رئيسها جاك شيراك، بدور مميز للرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الشهيد رفيق الحريري، لحين النجاح بالتوصل الى تفاهم نيسان الذي أوقف العدوان الصهيوني وشرّع المقاومة. وهي فرنسا التي وقف وزير خارجيتها دومينيك دو فيلبان الموقف الذي تهرّب منه الحكام العرب من الحرب الأميركية على العراق، بحيث إن لا شيء في تاريخ فرنسا يدعو رئيسها ايمانويل ماكرون ليكون مجرد أداة صهيونية رخيصة، يظهر ذليلاً أمام المجرم والإرهابي بنيامين نتنياهو، يستجدي ابتسامته ورضاه.
– فرنسا تعتاش على النفط العربي، وليس أميركا، وفرنسا تعتاش على السيّاح العرب وليس أميركا، وفرنسا تتشارك في تكوين شارعها مع جاليات عربية وازنة أكثر من حال أميركا، لكن ماكرون ليس صهيونياً مثل بايدن، بل هو عميل رخيص للصهيونية، لذلك فإن ماكرون المنافق الذي كان يتقرب من حزب الله لترتيب مناخات أفضل للشركات الفرنسية، توتال وغيرها، يتحدث بكل وقاحة أمام نتنياهو إلى تحالف دولي إقليمي للقضاء على حماس، ويحذر حزب الله وإيران من التورط، وينسى الحديث عن أن كل انفجارات القضية الفلسطينية تأتي ثمرة العنصرية الصهيونية، والتغافل الدولي عنها. وماكرون هو الرئيس الفرنسي الذي تجرأت حكومته على فعل ما لم تفعله الحكومة الأميركية، فقرّر وزير داخليته حظر التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني، وقرر وزير العدل في حكومته أن ارتداء الكوفية الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني جرائم كراهية تنتمي للعداء للسامية، وتستحق العقوبة لمن يرتكبها، ولم يفعل وزراء ماكرون هذا استجابة لرأي عام فرنسي ضاغط، بل فعلوا ذلك بعكس مزاج الرأي العام الفرنسي الذي مسح أحذيته بقرارات الوزراء، وأسقطها في الشارع بتظاهرات ضمت أكثر من مئة ألف في كل مرة، حتى أبطل مجلس الشورى الفرنسي قرار وزير العدل العنصري. وهذه كلها ليست أفعال حليف للكيان، وماكرون مثله مثل رئيس حكومة بريطانيا سوناك ريشي سوناك، نموذج العميل الذي يعيش عقدة النقص تجاه معلمه، ويفرك يديه طلباً لرضاه، فيفقد اتزانه وتوازنه في الأفعال التي يُقدم عليها لإظهار ولائه.
– نحن في لبنان لنا دين برقبة ماكرون والحكم الفرنسي، اسمه حرية جورج عبدالله، المحتجز خلافاً للقانون الفرنسي بعد انتهاء مدة عقوبته، وهو محتجز كرهينة بطلب إسرائيلي، ولذلك نحن كلبنانيين مساندين بقلوبنا لفلسطين ولأننا نعلم ان جورج عبدالله أسير فلسطين في السجون الفرنسية من خارج القانون وبخلافه، نطلب ضم ملف حريته إلى ملف الرهائن الفرنسيين لدى المقاومة الفلسطينية، وعدم الوقوع في وهم أن إطلاق هؤلاء الرهائن دون مقابل يمكن أن يجعل موقف عميل صهيوني برتبة رئيس فرنسا يتغيّر إلى جانب القضية الفلسطينية، فما سوف يُغيّر هو ميزان القوة فقط.