مستقبل اليهود بعد زوال «إسرائيل»
} عادل البشراوي
أثناء مظاهرة احتجاجية في نيويورك ضدّ الحرب على غزة، صعد شاب يهودي ليهتف مطالباً بوقف إطلاق النار ويقول «لا تفعلوا ذلك باسمنا».
ظني أنّ لهذا الخطاب، وبالأخص لتلك العبارة الأخيرة، تأثير ومغزى عميقان. وابتداء من هوية الشاب وهيئته، فالشاب يهودي وحديثه عن حصار وتجويع وتعطيش وقصف لأكثر من مليوني غزاوي له وقع أكبر مما لو كان صادراً عن مسيحي أو من أيّ هوية وايديولوجية أخرى. وكذلك فإنّ هيئته لا توحي بانتمائه لتلك الأحزاب اليهودية المتدينة المناهضة لقيام «إسرائيل». وهي أحزاب تزامنت في نشوئها مع نشأة اليهودية الصهيونية، وتتبنّى خطاباً لا يشبه ما تتبناه النخب الغربية. فهيئته تشير إلى أنه من اليهود الليبراليين الذين انغمسوا في المجتمعات الغربية وتمّ دمجهم عبر هوليود وجميع مؤسسات الميديا والإعلام ليكونوا جزءاً من المزيج الديموغرافي والثقافي الغربي، وهذا يجعل من لغته أكثر قرباً وتأثيراً على المواطن الأميركي والبريطاني والأوروبي.
أما المغزى الأهمّ فهو معني بقراءة مستقبلية جديدة مبنية على معطيات سياسية وأمنية بدأت تنتشر بين بعض نخب اليهود ترى عدم قدرة كيان الاحتلال على الإستمرار، وأنّ زواله بات قريبا. خشية هذه النخب اليوم تعدّت الكيان لتنصبّ على مستقبل اليهود. فعبارة «لا تفعلوا ذلك باسمنا» ما هي سوى استشراف لما سوف يترتب عليهم من أضرار في المستقبل.
يدور التساؤل حول ما يجري لليهود بعد زوال الكيان، وتوقف ماكينة الإعلام التي اعتنت طيلة عقود طويلة باحتضانهم، والتسويق لهم ولروايتهم، وجعلها جزءاً من الخطاب الذي تتبنّاه سلطات الغرب ونخبها الأكاديمية والثقافية والسياسية.
فبعد زوال «إسرائيل» وانتهاء حاجة الغرب وإعلامه للترويج لليهود وتسويق روايتهم، حينها سوف تنعكس الأمور ويتمّ تركهم ليواجهوا مصيرهم وحيدين أمام قضايا ومطالبات حقوقية مرفوعة عليهم في جميع محاكم العالم. وسوف يتمّ لعنهم من قبل المدوّنين والمؤرّخين الذين سيوثقون دورهم التخريبي الذي تسبّب في تكبيد خسائر وارتكاب جرائم لم تشهدها البشرية في تاريخها.
الغرب البراغماتي والمنافق هو من سوف يتصدّر هذا الواقع الجديد. ولن ينسى أن يذكر بالدور الشيطاني الذي لعبته الرموز والنخب اليهودية خلال قرنين من الزمان. وسوف يعتني بتقديم أسخف رواية تحكي بكائية الشعب الغربي الذي تمّ اختطافه من قبل النخب اليهودية واستغلال مقدراته وخيراته وتجيير مؤسساته وإعلامه لتنفيذ خطط وشنّ حروب وانتهاك حرمات.
وسوف يتمّ سرد سيناريوات للأدوار التي لعبتها عوائل كـ روثشيلدز ومورغانز وغيرها التي انخرطت في المال والإقتصاد حتى كانت لها أدوار في التخطيط للحروب العالمية. ولرموز علمية كـ ألبيرت أينشتاين اليهودي الذي كانت له إسهامات في صناعة القنبلة الذرية عبر دراسته لخواص الذرة، الأمر الذي استفاد منه صناع الحرب وقاموا باستغلال أبحاثه لتطوير أخطر سلاح عرفته الجيوش.
كذلك لن ينسوا سرد الأدوار التي لعبها هنري كيسنجر في تكريس محورية «إسرائيل» في السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وما ترتب عليها من دمار في الشرق الأوسط، وفي أهم معابر التجارة العالمية. إضافة لانخراطه في مشاريع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم انقلاب الجنرالات على النظم الديموقراطية، وما ترتب عليها من مآس وخسارات.
الغرب المأزوم الذي صعد إلى صدارة العالم قبل خمسة قرون ومارس أعتى الموبقات، لن يألو جهداً وهو يرى تراجع قواه أن يقدّم اليهود قرباناً لتبييض ساحته بين الأمم. هكذا هي طبيعته، ولا يبدو لهذه الطبيعة من تغيير…