معركة طوفان الأقصى والحرب على غزة تقدير موقف حول المعركة البرية
} حمزة البشتاوي
منذ عملية طوفان الأقصى التي جرت في تمام الساعة 6،45 من صباح يوم السبت السابع من تشرين الأول عام 2023 والتي استهدفت مواقع عسكرية ومستوطنات على طول الشريط مع غزة ضمن ما يُطلق عليه (غلاف غزة)، وقد قال الرئيس الأسبق لشعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين إنّ هذه العملية قد تعيدنا إلى ما قبل العام 1948.
وبعد الصدمة الكبرى أعلنت حكومة الإحتلال بلسان رئيسها بنيامين نتنياهو عن إعلان حالة الحرب وإطلاق ما سمّي بعملية «السيوف الحديدية»، وتجنيد قوات الإحتياط ليصل تعداد الجيش إلى ما يقارب الـ 360 ألف جندي، وذلك بهدف الانتقام وإعادة ثقة المجتمع الصهيوني بالجيش والقضاء على المقاومة في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ولذلك شكلت حكومة طوارئ لضبط التصدّع السياسي الداخلي ولتجنيد الإعلام والمجتمع بأكمله في الحرب، بعد انهيار غير مسبوق في الدفاعات والمعنويات.
والحديث اليوم من قبل الأوساط الإعلامية والسياسية يدور حول الحاجة القصوى لاستخدام العنف والقتل دون أيّ رادع أو قيود خاصة في ظلّ الدعم والضوء الأخضر الأميركي وعدد من الدول الغربية للعدوان على غزة التي ما زالت رغم حرب الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج، صامدة دفاعياً وناشطة هجومياً من خلال امتلاكها القدرة على مواصلة القصف المتفاوت المدى، حتى أنه ما زال يصل إلى تل أبيب ومحيط القدس.
وما زال العدو يتهيّب البدء في العملية البرية بسبب التردّي في معنوياته وانتفاء إرادة القتال لدى جنوده، وبسبب تخوّفه من الخطط الدفاعية التي أعدّتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة التي من الممكن أن تحوّل القطاع إلى مقبرة لجيشه إضافة لخشيته من جبهة الشمال التي يصل طولها إلى 103 كلم هي طول الحدود ما بين لبنان وفلسطين.
وهذه الجبهة مشتبكة ومستعدة في المكان وفي السلاح وبنك الأهداف الاستراتيجي الذي جعل العدو حتى الآن يقوم بإخلاء 28 مستوطنة بعمق يتجاوز الـ 5 كلم من الحدود.
وحول المعركة البرية وموعدها ومداها الزمني فإنّ العدو ما زال يمهّد لها بالمجازر الوحشية والتدمير على قاعدة أنّ ذلك قد يتطلب وقتاً يتعدّى الـ 9 أسابيع مع احتمال أن تتحوّل الحرب إلى مفتوحة وشاملة على مستوى المنطقة.
وحول سيناريو الحرب البرية يمكن رصد ما يلي:
1 ـ تراجع الحديث الإسرائيلي من اجتياح غزة إلى ما يُطلق عليه اليوم المناورات البرية ويمهّد لها بتهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي عبر ربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وداعش.
2 ـ الاستمرار بعمليات القصف الجوي المكثف واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً أيّ الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب لتحويل غزة إلى أرض محروقة.
3 ـ محاولة تهجير عدد كبير من سكانها لكشف ظهر المقاومة وكي يكون التوغل بأقلّ الخسائر في صفوفه وتفريغ منطقة شمال غزة بالكامل من السكان لتحقيق هدف استراتيجي لدى العدو يتعلق بالتهجير والتوطين في سيناء.
وتتضمّن خطة الهجوم البري العسكرية التي يشرف عليها مجلس إدارة الحرب والذي تمّ تشكيله يوم الأربعاء 11/10/2023 بعد انضمام بيني غانتس له ما يلي:
أ ـ استعادة الردع وترميم صورة الجيش الإسرائيلي المهزوم.
ب ـ إضعاف المقاومة وحضورها وتأثيرها إلى أقصى درجة ممكنة.
ج ـ استعادة أكبر عدد من الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى المقاومة.
وهذه الخطة تصطدم بتخوّفات إسرائيلية من حرب أقليمية قد تطيح بالمشروع الصهيوني بأكمله وتخوّفاً من ما بعد المعركة والإجابة عن سؤال من سيدير القطاع بعد الحرب، ومن توسع رقعة المواجهة الإقليمية رغم مظلة الحماية الأميركية التي من الممكن أن تتراجع تحت ضغط التحدي الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية التي ترغب بأن لا تتجاوز العمليات العسكرية جبهة قطاع غزة. وهذه مؤشرات تؤخر المعركة البرية بحثاً عن أهداف واقعية بعيداً عن الشعارات ويمكن حصر أسباب التأخير بما يلي:
ـ عدم وضوح الأهداف الإسرائيلية، حيث ما زال التركيز على الانتقام وليس تحقيق شيء محدّد.
ـ عدم الجهوزية الكافية لدى الجيش الإسرائيلي الذي يتمّ تشتيته من الجنوب إلى الشمال.
ـ الخوف من اتساع رقعة المواجهة والمعركة الجارية في جبهة الشمال.
ـ قرار محور المقاومة الحاسم باستمرار دعم وإسناد غزة والاستعداد للدخول في حرب إستنزاف طويلة انطلاقاً من مختلف الساحات والجبهات.
ولذلك يعمد العدو الإسرائيلي إلى المناورة بقرار الحرب البرية من باب التراجع الجزئي والمماطلة أو التأجيل لصالح المزيد من استخدام القوة العسكرية الجوية التدميرية التي تؤمّن له الكلفة المنخفضة بينما تحقق خسائر في صفوف المدنيين في غزة مما يزيد الضغط على القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة.
ولكن الحرب الجوية لا يمكن أن تحسم الحرب ولذلك سيحاول العدو تحقيق تقدم بري خاصة في المنطقة الشمالية لقطاع غزة.
ويجمع الخبراء والمحللون العسكريون على أنّ الحملات الجوية لا تحسم الحرب وأنّ أيّ إنجاز عسكري دون السيطرة البرية هو خسارة، ويتفق هؤلاء على أنّ الحرب الجوية الإسرائيلية لن تعيد هيبة الجيش الإسرائيلي الذي تمّت إهانته في السابع من تشرين الأول 2023. وستبقى صورة الجيش الفاشل الضعيف في الوعي الإسرائيلي مهتزة وتعزز القضاء الذاتي على عقيدة التفوّق العسكري الإسرائيلي مهما تعدّدت وسائط الدعم الأميركية والأوروبية. بيد أنّ بعض الأصوات تدعو للتريّث وعدم التسرّع وإعطاء مهلة أكبر لعمل القوات الجوية، كتوصيات اللواء الاحتياط، يتسحاق بريك ـ الذي التقى غالانت على انفراد ـ خلال عدة مقابلات تلفزيونية بـ «عدم التسرّع باعتبار أنّ الدخول يصبّ في صالح الفلسطينيين، إلا أنّ العامل الزمني لا يخدم حكومة نتيناهو كثيراً. كذلك رأى دايفيد بتريوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية والجنرال الذي قاد قوات التحالف في العراق وأفغانستان، بأنها ستكون «صعبة للغاية».
من جهة أخرى، إنّ تأجيل العملية والتردّد في الخيار والممطلة اليومية تؤكد خوف رئيس الحكومة من اتخاذ القرار والضعف في إدارة المعركة وأنّ المقاومة الفلسطينية لا تزال لها اليد العليا في المعركة، وفقاً لتعبير المحلل آفي يسسخاروف. ويرى المحلل عاموس هارئيل في صحيفة «هآرتس» في تأجيل الحرب البرية تقاعس نتنياهو عن تحمّل مسؤولياته. وعلى الرغم من دعم رئيس أمان سابقاً ومدير معهد البحوث الإقليمي حالياً تامير هايمن، لتأجيل العملية لما توفره الحملة الجوية من جدوى عالية في تدمير الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة وخلق وضع مريح أكثر لمناورة القوات الإسرائيلية، إلا أنه نفسه يرى العملية لا بدّ منها لتحقيق أهداف ثلاثة: تدمير قوة المقاومة؛ إعادة المخطوفين؛ وعودة الثقة وكفاءة ردع الجيش الإسرائيلي. وعليه، ينعكس تأجيل العملية على هذه الأهداف سلباً.
الآثار السلبية لتأجيل الدخول البري
1 ـ المزيد من القصف الجوي وزيادة مأساة الوضع الإنساني يضع الدول الغربية أمام ضغط الرأي العام الدولي والمحلي، حيث أثبتت سياسة قمع حريات التعبير وسياسة إغلاق بعض الحسابات على وسائل التواصل وكمّ الأفواه أنها غير مجدية في طمس صورة الإرهاب الإسرائيلي ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة.
2 ـ الاستنزاف لجبهة المقاومة في غزة والمضي بمخطط التهجير القسري للمدنيين يدفع إلى رفع مستوى المعركة والمواجهة الحالية على الجبهة اللبنانية بما تعنيه من مواجهة مكلفة أكثر على العدو.
3 ـ الوضع الفلسطيني في الأردن والغضب الشعبي من استمرار المجازر وارتفاع وتيرتها لا يأمن معه الكيان من اقتحام الحدود وتداعيات ذلك على مسار الحرب في غزة مع اندفاع الألوف لنصرتها.
4 ـ حتى الآن يرسل محور المقاومة رسائل التصعيد ضدّ الأميركي باستهداف القواعد الأميركية للضغط باتجاه وقف العملية وتأجيل العملية يشكل فرصة لا تعوّض للمحور لتنفيذ مخطط إخراج القوات الأميركية التي تساعد الإسرائيلي في إبادة الغزاويين.
5 ـ يتيح الوقت المتوفر من تأجيل العملية للضفة الغربية والداخل هامش المناورة المناسب للتحرك بمواجهة الإحتلال وفرض مواجهة ثالثة غزة الضفة وجنوب لبنان.
وحول توقع بدء العملية البرية خاصة أنّ الحرب الهمجية التي تشنّها قوات الإحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزة ليست في طريقها إلى الانتهاء قريباً، إذ أنّ المعطيات المتوفرة، والمؤشرات على الأرض وفي الميدان لا تشير إلى ما يمكن أن نطلق عليه «فصل الختام» لهذه الحرب القاسية والقذرة، والتي يستخدم فيها العدو الإسرائيلي كلّ جبروته العسكري، مدعوماً بإمدادات هائلة من السلاح الأميركي القاتل، سواء من ذلك المكدّس في القواعد التابعة للقيادة الأميركية في الشرق الأوسط، أو الذي تنوء من حمله «جيرالد فورد» وأخواتها، والتي جاءت على عجل لوقف الانهيار الصهيوني، الذي بدا واضحاً ما قبل وخلال العدوان الذي يرتكب فيه العدو جرائم يندى لها الجبين، متجاوزاً من خلالها كلّ المواثيق الإنسانية، والأعراف الدولية، ويمكن لنا أن نلحظ سعياً إسرائيلياً واضحاً لتهجير أكثر من نصف سكان قطاع غزة، في حال كانت الفرصة مؤاتية، في ظلّ ردّ الفعل العالمي المتواطئ، وبعض الأنظمة العربية، يمكن للعدو أن يسعى لترحيل عدد كبير من السكان الذين يبلغ عددهم أكثر من مليونين وأربعمئة ألف نسمة، يشكّل الأطفال والنساء منهم ما نسبته 60% تقريباً.
ولكن أبرز ما يؤجّل العملية البرية ضدّ قطاع غزة هو الخطط الدفاعية التي أعدّتها المقاومة والضغط الكبير من جبهة الشمال والخوف من الخسائر البشرية ولذلك من المرجح حالياً وقبل العملية البرية الاستمرار بالقصف الجوي والضغط الاقتصادي وحشد القوات والدبابات والمدفعية على طول الحدود مع غزة خاصة المنطقة الشمالية التي يتوقع أن تكون مسرح العملية البرية مع تجنّب الاشتباك مع المقاومين من المسافة صفر، والخوف من التحدّي الاستراتيجي الذي تشكله الأرض وما تحتها، وخاصة الأنفاق التي لم ينجح العدو بكشفها وتدميرها.
الخلاصة
ليس من المؤكد حتى اللحظة متى سيقدم العدو على هجوم بري، ولكن من المؤكد أنّ أداء المقاومة الفلسطينية سيكون في المعركة الدفاعية أضعاف ما كان عليه في العملية الهجومية، وسيكون جيش العدو الإسرائيلي بحالة عمى استخباري حول وضعية خط الدفاع وخطط المقاومة التي تحضّر الكثير من المفاجآت…