لحظات فاصلة… ونهاية نهاية التاريخ!
} د. رائد فرحات
في تسعينيات القرن الماضي وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وغوص العالم في قعر محيط الأحادية القطبية، نظّر بعض مهندسي وفلاسفة الجيوبوليتيك الأميركية، ومنهم فوكوياما، لنظرية توقف وانتهاء التاريخ بخضوع العالم بأسره للهيمنة الأميركية بمفهومها الليبرالي الاقتصادي (العولمة المتوحشة) والسياسي والاجتماعي والثقافي… وانّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرناً أميركياً بإمتياز. لكن الرياح لا تجري دوماً كما تشتهي الأساطيل الأميركية ولا حتماً تجري كما يخطط ساستها. فها هي تخسر جميع حروبها في العقدين الماضيين ولطالما شكل البحر الأبيض المتوسط إحدى النقاط الثلاث الساخنة في العالم (إضافةً الى أوروبا وبحر الصين الجنوبي) والتي قد تفجر حرباً عالمية ثالثة.
لطالما شكّلت «إسرائيل» بموقعها على المتوسط وتقاطعها القارّوي مع ثلاث قارات نقطة ارتكاز رئيسية وقاعدة استراتيجية ودرة الهيمنة والاستعمار الغربي، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم بأسره من حيث الشكل والمضمون والتكوين. من هنا نفهم هرولة زعماء هذا الغرب لنجدة هذه البؤرة الاستيطانية والاستعمارية.
على انّ ما يجري في فلسطين اليوم هو بمثابة زلزال مركزه غزة ولكن هزاته الارتدادية تصل الى العالم بأسره من أوروبا روسيا واوكرانيا الى الصين…
هذا الزلزال شكل ضربة قوية الى رأس الاستعمار والهيمنة الغربية، فهنالك ينتصر الدم الغزاوي على سيف الغزاة البرابرة ومهما كانت النتيجة: لقد سقطت «إسرائيل» وترنح معها كامل المشروع الغربي الأطلسي وهي التي لطالما شكلت أهمّ خطوط دفاعه وأبرز عصاه الغليظة.
فعلى محور المقاومة، على كامل امتداداته الى الحلف الروسي الإيرانى الصيني التقاط هذه اللحظة الحاسمة وتقاطعاتها الإقليمية الدولية للبدء بتحرير فلسطين وإزالة هذا المسخ، ومنه توجيه صفعة قوية للهيمنة الأطلسية الغربية وتشكيل العالم الجديد المتعدّد الأقطاب وطي صفحة مظلمة من تاريخ الكرة الأرضية بدأت مع اكتشافات كريستوف كولمبوس وانتهت بنهاية نهاية التاريخ…