معرض «ابتسامات» للفنان نزار عثمان (Nizaros).. وجوه تعبيرية ذات مضامين إنسانية
} نظام مارديني
يستضيف «كاليري زمان» في بيروت بين (2 تشرين الثاني حتى 30 كانون الأول)، معرض «ابتسامات» للفنان التشكيلي نزار عثمان (Nizaros) يعرض خلالها 28 لوحة تعبر عن مضامين إنسانية، في محاولة منه لاكتشاف أسرار اخضرارات الطفولة التي سيدفنها الليل بأردية سواده البهيم، وهو يرقب المحنة السؤالية، علّه يفضّ الاشتباك النفسيّ الذي يعيشه، من أجل الإمساك ببعض تلك الملوّنات التي تراود حكاياته المختلقة.
ولعل عبارة «لنا الحق بالحياة» التي يدلل عليها معرض «ابتسامات» بوجه البشاعة، هي تحدٍ وموقف ووجهة نظر وسبيل للحياة. وهذا ما نجده في لوحات المعرض. فالوجوه الطفولية الباسمة، بتعبيرية وفنتازيا عميقتين، تظهر التحدّي أمام قوى الظلام، والتمسك بالثوابت. وهكذا فإن الفنان لا يملك إلا أن يجد نفسه داخل هذه الأعمال لأنها وجهه الآخر ولون دمه وخطوط حياته.
يُقيم «Nizaros» معرضه هذا باعتباره قضيّة وطن وشعب وإنسان فيستلهم من وحي الواقع كل جرأته الفنية ويبني ملاحم تستهويه ليغامر داخل المساحات ويتوغل في فضاءاتها الشاسعة، يقتحمها لتشكيل وجوه ملحمية التعبير الرمزي فيها يجادل مع رؤى المعاني الإنسانية. فقد تمكّن من اختراق الفضاءات الواسعة للّوحة وتفجير أفكاره داخله بشكل دقيق، وهذا الأسلوب منحه ميزة وتفردًا.
يعمل الفنان «Nizaros» من خلال هذه الوجوه الطفولية البريئة على فكرة تفكيك اللون وإعادة صياغاته ضمن دلالات ومضامين تأثيرية نفسية، دفعته إلى خلق مقاربات فلسفية بين الاشتغالات اللونية لدى سدنة البراءة، وقدرة المتلقي على تفكيكها وفهمها بعمق المقصد، الذي يظل صعب المنال عند الكثيرين، لقد درس «Nizaros» حقيقة تلك التأثيرات ومنحها أبعاداً توضيحية في معرضه الراهن، ولكن إلى أين ستأخذنا قراءاته التشكيلية، وإلى أين ستأخذنا مضامين اشتغالاته اللونية؟
لعله سؤال مشروع أمام جمهور الفن التشكيلي وهذا ما لا يمكن ان نفك طلاسمه وخباياه بسهولة، لان «Nizaros» بطبيعته كائن لوني لا يحبذ الاستقرار، ويظل يبحث، ويلّون، معطيًا للارواح في فلسطين ولبنان وسورية والعراق بعضًا من مفاهيمه الجمالية التي تزيد معارفنا إشراقًا.
توحي وجوه الأطفال بما تحمله من وجع بأنها تخرج من تحت الأنقاض، تبحث عن ملجأ آمن وهذا جل رغباتها! توفق الفنان هنا وإلى حد كبير في الربط.. أي التناسق والتآلف بين الموضوع واللون. فاللون الأحمر الذي ملأ اللوحات هو لون الدماء البريئة التي سالت بسبب هذه العدوانية والهمجية التي تطال أطفالنا في فلسطين.
نحن أمام معرض فنيّ يستصرخ الضمائر، مختومٍ بنصل السكين التي حزت رقابنا بفاجعة العبارة، مغموسٍ بآهات الأطفال، منقوشٍ بالوجع وبالأسى، ومكتوبٍ بمداد من حزن بليغ يبكي شجرة الزيتون وشتلات التبغ حزنًا، فهو يتماهى مع أعمال معرضه مثل طفل يكتشف العالم المتداخل للصور ويداعب ألوان الوجع بنضج وبحكمة.
إن لوحات الفنان نزار عثمان «Nizaros» تتجمّع على الأسئلة المطروحة في كل تراكمات الواقع والوجود والحضور المفاهيميّ. فالمعرض أشبه بعالم صبياني طفولي ناضج ومجنون يتراكم فيه الفرح والطفولة والخيال والفكرة بقوة ناعمة الألوان وخيال مشبع بالحركة والحيوية.
وهكذا، لا تقتصر هذه الأعمال التشكيلية على مجرّد تفاعل الفنان نزار عثمان مع الأسلوب دون انتساب لروح المعايشة أو تغلّب على فكرة التواصل الجماعيّ، فتلك الفكرة هي التي تحمل المحتوى وتحمّله أبعادها التعبيرية والتشكيلية من خلال الرمزيات الحسيّة التي يعايشها التشكيلي ويتقمّصها ويعالجها في مخياله مهما كان انتسابه لها وتعايشه معها، فهو يعبّر عنها باعتبارها فضاء بصريًا رحبًا يحمل أكثر من مقصد ورسالة ودلالة.