هندسة الكلمة التاريخية التي هزّت العالم
رنا العفيف
الخطاب التاريخي للسيد حسن نصر الله في المضمون والتوقيت، يحمل دلالات عالية المستوى في ظلّ معركة طوفان الأقصى، ما أهمية هذا الخطاب وكيف يُقرأ؟ وما هي الرسائل النارية التي أراد إيصالها لأميركا وإسرائيل؟
واكب العالم برمته الخطاب بالصوت والصورة، بما في ذلك الاهتمام السياسي والميداني والعسكري والاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” وللدول الغربية التي تقف على خلفية المجازر التي تُرتكب في غزة، أيّ انّ الخطاب كان موجهاً للصديق وللعدو بالمعنى الحرفي الأكاديمي لما يحمل محتواه من فلسفة رمزية، وهو أعاد القضية الفلسطينية إلى الوجدان العربي بالزخم، وما حققه السيد إلى جانب ما سيحققه في خطاباته اللاحقة، يترجم لحقبة خطاب تموز الذي حقق فيه إنجازات عالية السقف عسكرياً استناداً لمحتوى الخطاب الذي يرتقي إلى حجم القضية التي أصبحت قضية أخلاقية وإنسانية بل قضية الإنسان والإنسانية التي أيقظت العقل الباطني للشعوب العربية، وبالتالي استيقظ حلم تحرير فلسطين من سباته، بمعنى سياسي دقيق وضع السيد استراتيجياته في الحدث العظيم الذي ينتظره العالم والذي يتجسّد بشخصيته وبقامته الفكرية والعسكرية دون كلل أو ملل، وبدا واضحاً من عينيه أثناء إطلالته الأولى من بعد الطوفان، فمنذ اليوم الثاني للعملية الكبيرة الحالية التي نفذتها حماس، حزب الله يشارك بهذه المعركة إذ قدّم أكثر من ستين شهيداً، الأمر الذي له دلالات كبيرة جداً على أنّ حزب الله ماضٍ في طريقه على طريق القدس حتى التحرير،
اللافت أيضاً في مواقف السيد هو الردود على أسئلة الأبواق الإعلامية التي كانت تسأل أين حزب الله من هذه المعركة؟ فأتى الردّ المزلزل بأنّ حزب الله في المرصاد يبذل جهوداً ميدانية وسياسية وعسكرية واستخبارية جميعها مدروسة في برنامجه الراصد لتطورات الأحداث في غزة على اعتبارات كثيرة تقع ضمن أطر التهديدات الأميركية، وعلينا أن نترقب الأساطيل الأميركية والغربية في المتوسط التي أعدّ لها حزب الله العدة، لأنّ هذا المحور ليس نزهة عسكرية وفتح المعركة الكبرى مع “إسرائيل” قد يقدم عليها حزب الله نظراً للجملة الذهبية التي أطلقها في الخطاب بقوله إنّ كلّ الخيارات مفتوحة وتشير إلى الأحداث التي يتحضّر لها أطراف محور المقاومة، وهي في حال لمس حزب الله بشكل فعلي أنّ إسرائيل ستقضي على حماس وعلى المقاومة فبكلّ تأكيد حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي، وفي حال لجأ نتنياهو إلى ضرب لبنان على غرار عدوان تموز ـ آب 2006، فإنّ محور المقاومة ستكون له مشهدية في عشرية النار لم تكن في حسبان الإسرائيلي بالمطلق، لماذا؟
لأنّ قواعد الاشتباك لم تعد موجودة وقد تمّ تجاوزها من خلال المعطيات المفتوحة مع الإسرائيلي والأميركي بالإشارة إلى الرسائل التي كانت تصل إليهما وقد وصلت كما أرادها السيد مفادها بأنّ المعركة الكبرى آتية في حال استمرّ حمام الدم ضدّ الفلسطينيين، وحزب الله سيديرها كما أنّ هناك وحدات خاصة محترفة لدى المقاومة لم تشارك حتى الآن في هذه المواجهة ربما يتمّ وضع هذه الفرق أو الألوية أو المجموعات إلى حين الساعة الحقيقية لهذه المواجهة المنتظرة، مع التأكيد للوقت وهذا له عبرة عسكرية وميدانية حقة لدى حزب الله، وعلى نتنياهو ومن خلفه الداعمين أن يدركوا جيداً هذا الخطاب لما فيه من تحذيرات جدية تقف خلف تهديدات نتنياهو بتجاوزه الخطوط الحمر، وهذا ما لا يسمح به حزب الله، أيّ لن يقف متفرّجاً على وفاة شقيقته حماس ولن يسمح لـ “إسرائيل” بفسحة لتلتقط الفرصة للقضاء عليها، وإنما سيتلقى العدو الصدّ والصفعة في آنٍ واحد…
كذلك فإنّ الأهمّ القضية الفلسطينية أصبح واضحاً بأنّ السيد يتعاطى معها بطريقة مدروسة بحسابات رياضية سياسية وعسكرية واستراتيجية في كلمته التي كان لافتاً بقوة جزئية الغموض الذي يبحث عنه الإسرائيلي في أروقة التحليل، ولا بدّ من القول بكلّ ثقة إنّ حزب الله ليس مضطراً لكشف كلّ أوراقه العسكرية، وقد يفسّر البعض هذا الأمر على أنه جزء من الحرب النفسية التي يمارسها حزب الله…
وقد قالها السيد بأنهم أوهن من بيت العنكبوت، وها هو يؤكد ذلك في كلمته التي اهتز لها العالم، إذ أعطت زخماً ومداً جذرياً للمعركة المنتظرة الكبرى وربما يمهّد لها بشكل تدريجي بمشاركة كتائب حزب الله في العراق وأنصار الله في اليمن، وما هي إلا تعبير حقيقي عن قومية المعركة التي ستشارك فيها أطراف أخرى وجميعها جاهزة مضبوطة على إيقاع حزب الله بالذات…
نعم كسَر صادق الوعد حاجز الصمت بقوله إنّ غزة ستنتصر، وأدلى ببيانه السياسي والعسكري موقعاً أدناه أنا سيد الوعد الذي أكد رؤيته التحليلية لهذا الكيان الهش ليسجل صفحة ناصعة في تاريخ محور المقاومة تضيفها للعديد من صفحات البطولة والفداء على طريق القدس، معادلة تفوح منها رسالة الحق والبطولة أحيا فيها روح تقاليد أمتنا المجيدة التي تعمر صدور أبنائه للقضية وبوصلتها التي تؤيد الكفاح المسلح لتحرير القدس…