التلويح الخيالي بالسلاح النووي تعبير عن المأزق العميق
ناصر قنديل
– ما صرّح به أحد رموز التيار الديني المتطرف الذي صعد في الانتخابات الأخيرة في كيان الاحتلال، وزير التراث عميحاي الياهو، عن استخدام السلاح النووي للتخلص من غزة، ليس حدثاً عادياً، يكفي القول فيه، إن هذا مجنون وانتهى. فالأمر أعمق من ذلك بكثير، فهو يصدر عن أحد قياديي التيار الذي وعد بامتلاك وصفة سحرية للتخلص من المأزق الوجودي الذي يعيشه كيان الاحتلال، ولتعويض التراجع في ميزان الردع المتآكل لهيبة جيش الاحتلال. والوصفة كانت حكومة متشددة ترفض التسهيلات والتسويات وتعتمد تسليح المستوطنين وإجراءات العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين. وعلى أساس هذا الخطاب نال هؤلاء مقاعدهم النيابية ولاحقاً الوزارية. وكانت معركة طوفان الأقصى هي الرد الطبيعي على اعتماد الكيان وصفة التطرف. فما جرى في السابع من تشرين الأول من انفجار للغضب الفلسطيني المدروس، كان نتيجة طبيعية للاختناق الذي عرضه المتطرفون على الفلسطينيين، وإن كان من أحد يتحمل سياسياً مسؤولية الهزيمة المدوية التي مني بها الكيان فهم الذين أرادوا أخذه نحو المزيد من تهميش الفلسطينيين ومعاقبتهم في معزل مغلق لا هواء ولا ماء ولا حياة فيه. والهزيمة مسؤولية من انتخب هؤلاء ومن فتح لهم الباب لدخول الحكومة طلباً لكسب سلطويّ رخيص، وهروباً من ملاحقة قضائية أكيدة.
– ما قاله الياهو هو من جهة إعلان سقوط مشروع اليمين المتطرّف، وإفلاسه الكامل، بعدما فشلت وصفته فشلاً ذريعاً، لأن الذي هزم في طوفان الأقصى، هو الجيش والمستوطنون المسلحون معاً، ولم يتمكّن جمعهم من الصمود لساعات أمام المقاومة، ولذلك لم يجرؤ الياهو على التذكير بوصفته الأصلية، سلّحوا المستوطنين، وها هم مستوطنو الغلاف يقولون اليوم لن نعود يوماً إلى المستوطنات. فلم يتبق أمام الياهو الا الكشف عن أقصى التوحش، ومضمونه الدعوة لاستخدام السلاح النووي للتخلص من المأزق، مقدماً أول اعتراف حكومي رسمي بامتلاك السلاح النووي، وأبشع تهديد باستخدامه، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان يجب سماع أكثر من ذلك الكلام لتبدأ وكالة الطاقة الدولية بفتح ملف نزع السلاح النووي من كيان الاحتلال.
– أما عن ماذا لو تحوّل كلام الياهو الى سياسة رسمية للكيان، وسياسة عمليّة لحكومته، فما يجب أن يعلم هو أن السلاح النووي الذي يملكه الكيان عهدة أميركية كاملة، واستخدامه لا يتمّ إلا بقرار أميركي. وإذا تمّ فهو يعني نهاية المصالح الأميركية والحضور الأميركي في المنطقة، عدا عن أنه يعني عملياً إبادة الكيان نفسه، ودعوة عملية لإيران لتفعيل برنامج نوويّ عسكريّ كانت دائماً ترفضه وكان يُقال لها دائماً إن لا مبرر له.
– كان يقال في التعابير القروية، خذوا أسرارهم من صغارهم، وما قاله الياهو لا يجب أن يمرّ دون أن يتحول إلى مضبطة اتهام لكيان الاحتلال ومراجعة لوكالة الطاقة الدولية، لكن السرّ الذي كشفه صغير الكيان ليس امتلاك السلاح النووي، ولا التفكير الجنوني باستخدامه، ولا التوحش في مقاربة الحرب على غزة، السرّ هو ما يدور من نقاش داخل الغرف المغلقة في حكومة الكيان، عن اليأس من الفوز بهذه الحرب، والاعتراف بحجم المأزق الكبير الذي تواجهه العملية البرية، وحجم الخسائر الكبير الذي يتكبّده جيش الاحتلال، والعجز عن المضي قدماً بعمليات القتل المفتوح والتدمير الشمال لغزة دون الإصابة بخسائر سياسية يصعب تعويضها، ولذلك تفتقت عبقرية هذا الصغير عن هذا الحل الجهنميّ، لكنه من حيث لا يدري كشف المأزق العقلاني باقتراح الحل الجنونيّ.