الخطاب العبقري وتأكيد المؤكد…
} أحمد بهجة
حين قال الأمين العام السابق لحزب الله السيد الشهيد عباس الموسوي في مطلع تسعينات القرن الماضي إنّ «إسرائيل سقطت» اعتقد البعض أنّ هذا الكلام أتى في سياق التعبئة المطلوبة للرأي العام في مواجهة العدو، لكن تتابع الأحداث بعد ذلك أثبت أنّه كلام واقعي يتمّ تأكيده على الأرض بشكل فعلي في كلّ محطة مفصلية من تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني.
أليس انتصار العام 2000 وبعده انتصار العام 2006 يمثلان تأكيداً ملموساً على أنّ «إسرائيل سقطت»، وهذا ينطبق أيضاً على انتصارات المقاومة الفلسطينية في 2008 و 2012 و 2014 وفي معارك «سيف القدس» 2021، و «وحدة الساحات» 2022، و «ثأر الأحرار» 2023…
وأتت عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي لتؤكد مرة جديدة، ولتقول لكلّ العالم إنّ فلسطين حاضرة وموجودة ولا تزال على قيد الحياة، خلافاً لما يعتقده البعض أنها تعبت وما عادت قادرة على الاستمرار والمقاومة، كما أتت العملية الأسطورية لتقول إنّ غزة لا يمكن أن تبقى محاصرة، وعلى الاحتلال أن يعرف جيداً أنّ عليه الرحيل عاجلاً أم آجلاً مهما كانت الأثمان والتضحيات.
لا شكّ أنه من الصعب إيجاد التعابير المناسبة إزاء ما تشهده غزة وفلسطين من جرائم ومجازر بحق أبناء شعبنا دونما تمييز بين أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين، وباستهداف مباشر للمستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس والأحياء السكنية المكتظة والمحاصَرة…
وهذا ليس غريباً على عدوّنا الصهيوني، وهو الذي نشأ كيانه على العدوان والجرائم والمجازر منذ العام 1948 إلى أيامنا هذه… ونحن اليوم نرى المشاهد القاسية والموجعة جداً في قطاع غزة حيث لا يتوفر العلاج والدواء والغذاء والمأوى لعشرات الآلاف من الناس… في حين أنّ ما يسمّونه «المجتمع الدولي» أو «العالم الأول» نراه ينحدر إلى أدنى درجات الانحطاط الإنساني ويأتي بكلّ رؤسائه ومسؤوليه ليغطوا ويدعموا جرائم الكيان المعادي… وإذا كانت هذه هي الحضارة والرقيّ والتقدّم فهنيئاً لنا بعالمنا الثالث المتخلف والقابع في الزمن العتيق… حيث الكرامة والشهامة والمروءة والنخوة والمبادئ والأخلاق والقيَم الوطنية والقومية والعربية والدينية والإنسانية…
ما هو هذا «العالم الأول» المتبجّح بالحريات وحقوق الإنسان الذي لا يحتمل تغريدة على الفيسبوك إذا كانت مؤيدة لفلسطين أو إذا كانت تدين جرائم العدو ومجازره بحق أهلنا في غزة؟ وما هو هذا «العالم الأول» الذي لا يحتمل شريط فيديو مدّته 11 أو 12 ثانية لرجل خطا أربع خطوات فقط من دون لا إشارة ولا نظرة ولا كلمة ولا حركة…؟
لا شكّ أنّ إزالة شريط الفيديو الذي ظهر فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يمرّ من أمام علم للحزب كتب عليه «انّ حزب الله هم الغالبون»، وإزالة التغريدات المؤيدة لفلسطين، ليست أبداً دليل قوة بل على العكس هي دليل ضعف وعجز وانهزام أمام المنتصرين الحقيقيين، وأمام شهداء غزة من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين تمّ استهدافهم في منازلهم أو في المستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس…
وقد أتى خطاب السيد نصرالله يوم الجمعة الفائت ليؤكد المؤكد، وليقطع الشك باليقين أنّ «إسرائيل سقطت» إلى غير رجعة، بدليل أنّ جيشها المهزوم بقيَ أكثر من عشر ساعات تحت وقع الصدمة التي تسبّبت له بها عملية «طوفان الأقصى»، وقبل أن يطلق طلقة واحدة بدأ يصرخ ويستغيث ويستنجد برعاته الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة لكي يمدّوه بما يلزم من أموال وذخائر وأسلحة لكي يستطيع الوقوف على قدميه، بما يعني أنه جيش كرتوني لا يستطيع الصمود أمام الأبطال الأشداء في غزة وفلسطين ولبنان.
لذلك رأينا أنّ السيد نصرالله في خطابه العبقري، كما وصفه أحد الخبراء الأميركيين، وجّه الكلام مباشرة إلى الأميركي، وهو اليوم الآمر الناهي في غرفة العمليات في كيان العدو، وهو المسؤول عن استمرار استهداف المدنيين في غزة، بشكل يذكرنا بما حصل عندنا في لبنان عام 2006، بكلّ ما يعني ذلك من استمرار للإجرام والأعمال البربرية والوحشية، وبالتالي على الأميركي أن يتحمّل المسؤولية كاملة وأن يصدر أوامره إلى تابعيه في الكيان المؤقت بوقف العدوان على غزة وأهلها وبرفع الحصار عنهم وإدخال المساعدات اللازمة لهم بدءاً من المواد الطبية والإسعافية وصولاً إلى المواد الغذائية لآلاف المهجرين الذين دمّر العدوان الهمجي منازلهم وأحياءهم السكنية.
إذن وضعَ السيد نصرالله النقاط على الحروف وحدّد بوضوح ما هو مطلوب: وقف العدوان وعدم انكسار المقاومة في غزة بل انتصارها وتحديداً انتصار حركة حماس، وإلا فإنّ كلّ الاحتمالات واردة وكلّ الخيارات متاحة، والزمن ليس مفتوحاً لتحقيق هذه الشروط، علماً أنّ السيد ستكون له إطلالة أخرى يوم السبت المقبل بمناسبة يوم الشهيد، ولا بدّ أن يشهد هذا الأسبوع تطورات حاسمة لجهة وقف العدوان أو الاستعداد لما سيأتي…