«إسرائيل» رفضت «هدنة إنسانية» لتعزيز أمن المدنيّين كيف يردّ محور المقاومة على المحرقة المتمادية؟
} د. عصام نعمان*
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أنه ناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسألة “هدنة إنسانية” توفّر مزيداً من الأمن للمدنيين وتسمح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل أكثر فعالية واستدامة”. لكن نتنياهو سارع الى الإعلان عن رفض “إسرائيل” هدنةً مؤقتة من دون إطلاق “الرهائن” الذين تحتجزهم “حماس” في غزة ما يعني إصرار كيان الاحتلال على ارتكاب المحارق والمجازر بحق المدنيين الفلسطينيين. إلى ذلك، رفض بلينكن خلال مؤتمرٍ صحافي عقده في عمّان مع وزيري خارجية مصر والأردن مطلب وقف إطلاق النار في قطاع غزة بدعوى أنه “من حق “إسرائيل” الدفاع عن النفس”.
هل يردّ محور المقاومة وكيف على هذا التغوّل الإسرائيلي – الأميركي ضدّ الشعب الفلسطيني؟
لعلنا نجد الجواب في الخطاب الأخير لأبرز قادة محور المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي حرص في مقدّمته على إبراز معاناة الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاماً، قائلاً: “إنّ أوضاع السنوات الأخيرة كانت قاسية جداً، خصوصاً مع هذه الحكومة الحمقاء والغبية والمتوحشة والمتطرفة التي عمدت الى التنكيل بالأسرى ما جعل الوضع الإنساني سيئاً جداً”، مؤكداً على نقاطٍ ثمانٍ يمكن فهم معناها ومؤداها على النحو الآتي:
ـ “إنّ العدو لن يتمكن على الإطلاق من تحرير أسراه بدون عمليات تبادل”، ما يعني أنّ تماديه في حربه الوحشية على قطاع غزة لن تحمل “حماس” وحلفاءها على القبول بإطلاق الأسرى قبل وقف الحرب.
ـ “إنّ أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة، فهي التي تمنع وقف العدوان وترفض أيّ قرار لوقف إطلاق النار” ما يعني أنها موافقة ضمناً على رفض نتنياهو مطلب “الهدنة الإنسانية” بدليل أنّ بلينكن لم يعترض على موقفه السلبي من هذه المسألة بعد انتهاء اجتماعهما الأخير، وأنّ أميركا موافقة تالياً على استمرار عدوان “إسرائيل” على غزة بذريعة حقها بالدفاع عن النفس.
ـ “إنّ أساطيلكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا (…) وأنّ أساطيلكم التي تهدّدون بها قد أعددنا لها عدّتها أيضاً” ما يعني انّ حزب الله وربما حلفاءه أيضاً في محور المقاومة عازمون على مواجهة أميركا إذا قررت مشاركة “إسرائيل” علانيةً حربها على “حماس” وفصائل المقاومة المتحالفة معها.
ـ “إنّ هناك هدفين يجب العمل عليهما: وقف العدوان على غزة أولاً، والهدف الثاني أن تنتصر “حماس” في غزة. فانتصار غزة يعني انتصار الشعب الفلسطيني، وانتصار الأسرى الفلسطينيين والقدس وكنيسة القيامة وشعوب المنطقة، وخصوصاً دول الجوار”، ما يعني انّ تمسّك المقاومة في لبنان بهدفي وقف العدوان وانتصار “حماس” في غزة يستوجبان منطقياً وبالضرورة مساعدة “حماس” والشعب الفلسطيني على وقف العدوان. وهل يمكن وقف العدوان عملياً وعملانياً وبالسرعة الممكنة إلاّ بدعمهما عسكرياً؟
ـ “إنّ انتصار غزة هو مصلحة وطنية مصرية وأردنية وسوريّة، وأولاً وقبل كلّ الدول هو مصلحة لبنانية”، ما يعني أنّ مصر والأردن وسورية ولبنان مطالَبَة بدعم محور المقاومة أو أحد أطرافه على الأقلّ، وعدم معارضة العمل العسكريّ الهادف الى وقف العدوان.
ـ “إنّ المقاومة في لبنان دخلت معركة طوفان الأقصى منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر، وما يجري على الجبهة الجنوبية مهمّ ومؤثر جداً وغير مسبوق في تاريخ الكيان، ولن يتمّ الاكتفاء بما يجري على جبهتنا الجنوبية على كلّ حال”، ما يعني انّ المقاومة تتحسّب لحوادث وأحداث وطوارئ قد تستجدّ في قابل الأيام ولن تكتفي بما قامت به في مواجهة العدو حتى الآن، بل ستقوم بمجهود قتالي إضافي أيضاً.
ـ “إنّ العدو يقلق من إمكانية أن تذهب الجبهة اللبنانية إلى تصعيد إضافي (“مدني مقابل مدني”) وهذا احتمال واقعي ويمكن ان يحصل”، ما يعني أنّ تصعيد حزب الله ضدّ “إسرائيل” بغية وقف عدوانها الوحشي على قطاع غزة ممكن ومطلوب.
ـ “إنّ كلّ الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة، وإنّ كلّ الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أيّ وقت من الأوقات، ويجب أن نكون جميعاً جاهزين لكلّ الفرضيات المقبلة”، ما يعني انّ المقاومة في لبنان تتحسّب لاحتمالات متعددة في هذا المجال، وقد يكون أحد خياراتها مساعدة “حماس” على وقف عدوان “إسرائيل” المتمادي على قطاع غزة وعلى لبنان وذلك بتوجيه ضربة موجعة لأحد أهمّ مرافقها الاقتصادية ما يُكره كيان الاحتلال على الرضوخ لمطلب وقف الحرب.
أطلق ألوف الناس المحتشدون في ساحات وشوارع ضاحية بيروت الجنوبية خلال استماعهم الى خطاب السيد حسن نصرالله شعارات متعدّدة لافتة لعلّ أهمها:
“المعركة معركتنا ولن نترك فلسطين”.
في ضوء هذه الوقائع والحقائق والالتزامات، أرى وجوب اعتماد المواقف والتوصيات الآتية:
أولاً: ليس المطلوب أبداً المزايدة على قائد المقاومة بالدعوة الى وجوب دخول حزب الله الآن معمعة الحرب الدائرة في فلسطين كلها بل المبادرة الى التوافق مع أطراف محور المقاومة على إدراك حقيقة مركزية تمخّضت عنها الحرب الإسرائيلية – الأميركية على قطاع غزة وهي أنّ الشعب الفلسطيني في كلّ أنحاء الوطن المحتلّ هو الأصل والأهمّ والأوْلى بالنجدة والمساعدة، وأنه الحاضن والرافد الأول والأسخى لـِ “حماس” وسائر فصائل المقاومة، فلا يجوز الصبر طويلاً على المحارق والمجازر التي يكيلها له العدو ليل نهار بل يقتضي اعتبار الجحيم الذي يزجّه فيه اليوم ـــ خصوصاً بعدما طالب وزير إسرائيلي حكومته بقصف قطاع غزة بقنبلة ذرية ـــ مسوِّغاً وحافزاً للمبادرة بلا إبطاء الى تخليصه من محنته بكلّ الوسائل والتدابير الجذرية الممكنة بما في ذلك التدخل العسكري المباشر.
ثانياً: إنّ أطراف محور المقاومة، دولاً وفصائل، مدعوّة قبل غيرها الى التلاحم والتضامن بلا إبطاء في نجدة الشعب الفلسطيني وفصائله المقاتلة، وذلك بالشكل والتوقيت المناسبين.
ثالثاً: إنّ شعوب الأمة مدعوّة الى تأجيج رفضها واحتجاجاتها الشعبية المتصاعدة على الحرب الوحشية التي تشنّها “إسرائيل” ومن ورائها أميركا على الشعب الفلسطيني بغية دعشنة “حماس” وسائر فصائل المقاومة، وأنّ الردّ على ذلك كله يكون بالضغط على جميع الدول العربية للتضامن في وجه هذه الحرب والحملة العنصريتين ضدّ الأمة وحقوق الانسان.
رابعاً: دعوة الدول العربية المطبّعة مع العدو الى الضغط على أميركا لحمل “إسرائيل” على وقف حربها الوحشية على قطاع غزة تحت طائلة إلغاء اتفاقات التطبيع مع العدو والعلاقات الديبلوماسية معه.
خامساً: دعوة نقابات المحامين والأطباء والممرّضين واتحادات العمال والمستخدمين وجمعيات حقوق الإنسان في كلّ أنحاء الوطن العربي الى إجراء اتصالات واجتماعات مع مثيلاتها في الدول الصديقة وغير التابعة للحلف الأطلسي من أجل عقد مؤتمر عالمي لإدانة تغوّل “إسرائيل” على المدنيين الفلسطينيين وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير، والى تجديد الإعلان باعتبار الصهيونية مرادفة للنازية والتمييز العنصري.
هذا أضعف الإيمان وأوْجب التزامٍ بالقيَم الروحية والإنسانية العليا.
*نائب ووزير سابق
[email protected]