رغم المجازر انتصار غزة مؤشرات ونتائج
} رامز مصطفى وحمزة البشتاوي
بدأت ارتدادات معركة طوفان الأقصى وإخفاقات الحرب على غزة تظهر جلياً داخل الأوساط السياسية والعسكرية الصهيونية، من خلال كيل الاتهامات وتوزيع الاخفاقات، وبالتزامن مع هذا الإرباك والعجز بدأت معالم النصر تظهر أيضاً منذ اليوم السابع من تشرين الأول عام 2023 باعتباره من المحطات الأبرز في تاريخ الصراع مع الاحتلال، حيث اتضح خلال عملية طوفان الأقصى مدى تطور قدرات المقاومة، مقارنة مع الحروب السابقة، ومن خلال حجم الخسائر المادية والبشرية التي يتكبّدها جيش الاحتلال والمستوطنين. حيث كرّست عملية طوفان الأقصى وملاحم الصمود والمواجهات المباشرة في صدّ العداون، مشروع المقاومة باعتباره الأكثر شعبية وقبولاً لدى الشعب الفلسطيني ومؤيديه والمتضامنين معه في كافة أنحاء العالم.
ورغم الكثير من التضحيات الجسام في الأرواح والممتلكات فإنّ الشعب الفلسطيني أصبح اليوم أكثر إصراراً على الفعل الكفاحي، والتمسك بالمقاومة باعتبارها فكرة لا تموت ومتجذرة عميقاً في المجتمع الفلسطيني، كما أنّ الرواية الفلسطينية بعد حرب الإبادة الجماعية والتدمير وارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى أصبحت أكثر قبولاً وانتشاراً من قبل، وهذا ما سوف يبني عليه الفلسطينيون لتثبيت السردية الفلسطينية حول أبجديات الصراع وإعادته إلى نقطته الأولى كصراع بين شعب تحت الاحتلال وقوة احتلال فاشية ومجرمة تقودها حكومة حرب مدفوعة بشهوة القتل والانتقام تؤكد في أدائها الإجرامي بأنّ هدف ترميم صورة الجيش وكيانه هي التي تسيّر عمل حكومة الحرب وتمثل لديها المرتبة الأولى والثانية والعاشرة في سلم الأولويات.
وفي الحديث عن المؤشرات التي تدلّ على انتصار غزة بعد أن سطرت المقاومة والشعب الفلسطيني صفحة جديدة من ملاحم الصمود والبطولة في مسيرة الكفاح المسلح المستمر منذ عقود ضدّ الاحتلال، وقدم خلاله الشعب الفلسطيني أعظم وأكبر وأغلى التضحيات في سبيل البقاء والتحرير والعودة ويقدّم اليوم ملحمة جديدة لتحقيق الانتصار عبر إفشال عدوان جيش الاحتلال وقادته الضائعين والتائهين والذين لا يعرفون منذ إنشاء كيانهم سوى ارتكاب المجازر دون أيّ قدرة اليوم على حسم المعارك والحروب والصراع رغم الدعاية الصهيونية والتهويل الإعلامي ما زالت غزة اليوم تؤكد نهاية ما يسمّى تفوق الكيان الصهيوني وسط ارتفاع حادّ في الانقسام الداخلي سياسياً واجتماعياً. وهذا الانقسام والتصدّع في المستوى الأمني والعسكري يعني تصدّع الكيان برمته.
وتشير حالياً الكثير من الدراسات والأبحاث إلى أنّ جيش الاحتلال الذي لم يستطع منذ هزيمته في العام 2006 أن يرمّم صورته وقوّته، لن ينجح في تحقيق ذلك أمام مقاومين فلسطينيين واثقين بقدرتهم على إلحاق الهزيمة به على أرض قطاع غزة رغم الدمار والحصار.
ومن المؤشرات التي ظهرت منذ بدء العدوان على غزة وحتى اليوم يمكن ذكر ما يلي:
1 ـ إخلاء المستوطنين من كافة المستوطنات في غلاف غزة ومستوطنات الشمال بفعل صواريخ وضربات المقاومة التي لم تتوقف ساعة واحدة. وقد أظهرت وسائل الإعلام العبرية نصب خيام لهؤلاء المستوطنين في منطقة إيلات.
2 ـ توقف الدراسة في الكيان من الشمال إلى الجنوب.
3 ـ فرار عدد كبير من أصحاب جوازات السفر الدولية، وقد غادر عبر مطار بن غوريون حتى مطلع الأسبوع الأول من العدوان أكثر من مائة ألف مستوطن مع التأكيد بأنّ انتصار غزة سيرفع من أرقام الهجرة العكسية بشكل كبير.
4 ـ إغلاق غالبية المطارات وإغلاق عدد كبير من المراكز الحيوية وخاصة الاقتصادية منها.
5 ـ دخول غالبية المستوطنين إلى الملاجئ هرباً من القصف الصاروخي للمقاومة من الجنوب والشمال وتمركز أكثر من 80% منهم في منطقة تل أبيب وغوش دان أو ما بات يعرف باسم دولة الوسط.
6 ـ توقف عدد كبير من خطوط الملاحة الجوية المتجهة إلى الكيان.
7 ـ توقف كلي للسياحة الداخلية والخارجية وإغلاق عدد من الشركات وإعلان إفلاسها.
8 ـ هزيمة الكيان إعلامياً، وتحوّل آلة الدعاية الصهيونية من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع عبر ضخ الأكاذيب والتعتيم على حرب الإبادة الجماعية والمجازر المرتكبة بحق الأطفال والنساء والشيوخ ودور العبادة والمؤسسات الطبية والمستشفيات.
9 ـ كشف مدى عمق الانقسام والارتباك والخوف، والتناقضات داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية في الكيان الصهيوني الذي تحول إلى عبء على الولايات المتحدة والغرب المنهك اقتصادياً.
10 ـ كشف زيف ونفاق المجتمع الدولي في قضايا حقوق الإنسان والسكوت على الجرائم ضدّ الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الذي ظهرت قيادته كعصابة إجرامية تشكل خطراً كبيراً على القيَم الإنسانية واعتبرت بنظر الكثير من الشعوب الغربية بأنها الأكثر دموية وتوحشاً في العالم.
11 ـ تمسك المقاومة بمواقفها وخاصة على صعيد إطلاق جميع الأسرى من داخل سجون العدو.
12 ـ إعلان المقاومة خلال العدوان عن إدخال أسلحة جديدة ومتطورة في مواجهة جيش الاحتلال براً وبحراً.
وهذه المؤشرات لا تعني بأنّ العدو سوف يتوقف عن محاولة فرض قواعد اشتباك جديدة تغطي على فشله الميداني رغم كلّ أشكال الدعم التي وفرتها له الإدارة الأميركية خاصة على صعيد المعلومات والاستخبارات وحاملات الطائرات وعناصر وضباط الوحدات الخاصة الأميركية، إضافة لدعم عدد من الدول الغربية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبعض الأنظمة العربية التي ستظهر الوثائق لاحقاً انخراط البعض منهم إما تشجيعاً للكيان، أو تمويلاً أليس هذا ما كشفته الأيام التي تلت حرب تموز 2006 كيف أنّ هذا البعض كان يضغط على الإدارة لتمارس بدورها الضغط على حكومة أولمرت حتى يواصل عدوانه على لبنان ومقاومته. وهذا كله لم يكسر عزيمة الشعب الفلسطيني ومقاومته بل زادت من عزيمته وإصراره على مواجهة الاحتلال الذي تحرك كوحش أرعن مجنون يدرك في النهاية بأنه لن ينال سوى الهزيمة والفشل، وخاصة أنّ الفرص والمهل الأميركية المعطاة لحكومة الحرب في الكيان لتحقيق إنجاز عسكري واضح يشمل عمليات توغل على الأرض وفي الدم الفلسطيني. وأيضاً عمليات اغتيال يرضي فيها الاحتلال جبهته الداخلية. وهو يحاول الظهور كمنتصر في الحرب قد بدأت في النفاذ وهذا سيؤدّي إلى تغيير اللهجة الأميركية والموافقة على وقف لإطلاق النار دون أن يحقق العدوان أهدافه وخاصة المتعلقة ببقاء المقاومة فكرة حية لا تموت ومتجذرة عميقاً في المجتمع الفلسطيني.
وتقديرنا بأنّ فصل الختام لهذه الحرب سيكون شبيهاً بفصل البداية الذي بدأته المقاومة بعملية طوفان الأقصى وسينهض في نهاية العداون شهيد من تحت الركام رافعاً شعار النصر أو ناجيا يهتف للمقاومة.