الوطن

الحاج حسن لـ «البناء»: خسرنا آلاف أشجار الزيتون بالعدوان الصهيوني وستُزرَع من جديد وتنمو لتكون عنواناً لصمودنا وانتصارنا كما شتلة التبغ

الزراعة والصناعة هما الدعامتان الأساسيتان للاقتصاد ولا يُمكن تحقيق أيّ نهوض اقتصادي إلا من خلالهما‪/‬

سندعم مزارعي القمح ونحثهم على زراعته حتى لو لم تشترِ الدولة محاصيلهم‪/‬

لبنان يخسر ملياراً ونصف المليار دولار بسبب غياب المراسيم التطبيقية لقانون زراعة القنب الهندي‪/‬

 

إنعام خرّوبي
على وقع الاعتداءات الصهيونية جنوباً، يخسر جنوب لبنان كلّ يوم من أشجاره وأحراجه التي لم تسلم من حقد العدو وغطرسته، ووفق وزير الزراعة الدكتور عباس الحاج حسن، خسرنا حتى الآن “ما يزيد عن 40 ألف شجرة زيتون بالإضافة إلى آلاف الهكتارات من الأشجار الحرجية”.
وإذ ذكّر الحاج حسن في حديث لـ “البناء” بأنّ الزراعة في الجنوب كانت سبباً رئيساً في صمود أهله إبان الاحتلال الصهيوني وحتى التحرير عام 2000، شدّد على أنه “وكما كانت شتلة التبغ عنواناً للصمود وللانتصار في العام 2000 فإنّ شجرة الزيتون ستُزرَع وتنمو من جديد وستكون هي هذه المرة عنواناً لصمودنا وانتصارنا على العدو الصهيوني”.
ولفت إلى “أنّ الزراعة والصناعة هما الدعامتان الأساسيتان للاقتصاد ولا يُمكن تحقيق أيّ نهوض اقتصادي إلا من خلالهما”، لافتاً إلى أنّ السوق العربية “بشكل عام مفتوحة أمامنا، ما عدا سوق المملكة العربية السعودية”، آملاً “أن تُحلّ هذه المشكلة قريباً”.
ولم تغب غزة بطبيعة الحال عن مضمون الحوار، إذ اعتبر الوزير الحاج حسن أنّ “الشعوب تُترك دائماً لمصيرها والدول التي تستطيع وضع حدّ للمآسي والحروب تغمض عينيها وتصمُّ آذانها عن ما يجري”، لكنه رأى في المشهد رغم قساوته ودمويته ما يؤكّد من جديد على “أنّ المقاومة هي حقنا المقدس وقد خبرنا كثيراً ولا نزال الاعتداءات الصهيونية وعايشنا الاحتلال ولم ننجز التحرير ونستعيد كرامتنا الوطنية إلا بالمقاومة”.
وفي ما يلي نصُّ الحوار كاملاً…

‭{‬ حصة الزراعة من الناتج المحلي تراجعت إلى 7% بعد أن كانت في التسعينات حوالى 23% كما أنّ حصّتها من الموازنة العامة في تناقص مستمر. فكيف النهوض بالقطاع الزراعة بهذه الأرقام الهزيلة؟
‭{‬ إذا قرأنا في المالية العامة للدولة نجد أنّ هناك انهياراً تاماً، وفي ما يتعلّق بالقطاع الزراعي فهو أحد أهمّ القطاعات الإنتاجية هو يؤثر في حياة المواطنين اللبنانيين بما نسبته 35%، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وعليه يجب أن لا تقلّ حصة وزارة الزراعة من المالية العامة عن 12%، في حين أنّ الرقم اليوم هو 0.35% وهي نسبة ضئيلة جداً يجب أن نغطّي من ضمنها رواتب الموظفين والمتعاقدين والإرشاد الزراعي والمباني. السؤال المركزي الذي أطرحه دائماً على المسؤولين: نحن نتحدث كلّ يوم عن مصطلحات الأمن الغذائي وعن ضرورة تحقيقه، فكيف يتمّ ذلك من خلال موازنة ضحلة كهذه؟ الجواب هو أنّنا إذا كنا سننتظر مالية الدولة وموازنة وزارة الزراعة سنبقى في مكاننا، وهناك فرصة تاريخية منذ 2019 تتمثّل في العروض التي تقدّمها الهيئات الدولية للمساعدة في القطاع الزراعي. في البداية، كانت هذه الهيئات، باستثناء «الفاو» لأنها تُعنى بالقطاع الزراعي بشكل مباشر، ترفض العمل مع الوزارة خشية الفساد والهدر، ولكن بعد عدة لقاءات واجتماعات مع تلك الهيئات ومن خلال استراتيجية واضحة ومستدامة تستهدف صاحب الحق مباشرة، بدأنا استعادة ثقتها تدريجياً ونحن اليوم نتعاون في كثير من المشاريع.
‭{‬ فتح انهيار سعر صرف العملة المحليّة شهية الكثير من التجار للتصدير إلى الخارج. كيف تكبحون كوزارة هذه الشهية حتى لا تؤثر سلباً في الأسعار على المواطنين؟
‭{‬ إنّ ما حصل في موضوع البصل كان خطأ كبيراً ونحن كوزارة نتحمّل جزءاً من المسؤولية فيه. حين ارتفع سعر البصل في بداية هذا العام تقريباً كان سعره مرتفعاً عالمياً، وكان سبب هذا الارتفاع أنّ أكبر دولتين مُصدّرتين للبصل في العالم وهما الهند وباكستان شهدتا فيضانات أدّت إلى تلف نحو 70% من المحاصيل، وقد شجع هذا الارتفاع العالمي في الأسعار التجار اللبنانيين على تصدير كميات كبيرة منه إلى الخارج، لكنّ الوزارة وضعت حداً لهذه المشكلة وأصدرت قراراً قضى بإخضاع تصدير البصل من لبنان إلى إذن مسبق، ونحن نتابع بشكل مستمر موضوع تصدير واستيراد المنتجات الزراعة مع المديرية العامة لوزارة الاقتصاد ومع الجمارك وقد أنشأنا خلية أزمة ضمن الوزارة لمتابعة هذا الأمر وضبطه.
صحيح أنّ نسبة التصدير ارتفعت بعد الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان ولكن ليس هناك منتج زراعي سعره خارج حدود المعقول أو مفقود من الأسواق، ولكن طبعاً وكما في كلّ عام نتوقع ارتفاعاً في أسعار الخضار في أوقات بعينها مثل شهر رمضان الذي يتزامن مع زمن الصوم المسيحي، ومردّ ذلك أولاً إلى جشع التجار في ظلّ ارتفاع الطلب وثانياً إلى أنّه في أشهر الشتاء لا يكفي إنتاج الخيم البلاستيكية الموجودة في الساحل والداخل إلا 15% من الاحتياجات.
‭{‬ هل أنتم في صدد البحث عن حلول لهذا النقص؟
‭{‬ عرضنا على البنك الدولي مشروعاً بقيمة 200 مليون دولار هو بمثابة قرض سيذهب معظمه للقطاع الزراعي، وطرحنا أن نزرع مئة ألف خيمة بلاستيكية يتمّ توزيعها على المواطنين اللبنانيين مجاناً، تبلغ تكلفة هذه الخيمة نحو 2000 دولار، ويمكن أن تؤمّن معيشة عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص. هذه الخيم البلاستيكية ذات جدوى كبيرة فهي ترفع الطاقة الإنتاجية من 15% إلى 35%، وقد استوحينا ذلك من التجربة السورية في منطقة الساحل تحديداً، في هذا الإطار نستطيع أن نحقق استدامة.
الزراعة والصناعة دعامتا الاقتصاد
‭{‬ بعد انهيار القطاع المصرفي اللبناني وتراجع حركة السياحة بشكل كبير، ألا تُشكل الزراعة طوق نجاة يستوجب دعمها للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنتاج؟
‭{‬ الزراعة والصناعة هما الدعامتان الأساسيتان للاقتصاد ولا يُمكن تحقيق أيّ نهوض اقتصادي إلا من خلالهما، كما أنهما تتكاملان في كثير من الأحوال. فإذا أخذنا مثالاً موسم التفاح، فإنّ الموسم غالباً ما يكون وفيراً في معظم المناطق، لكن بطبيعة الحال لا تكون هناك إمكانية لتصدير الكمية كلها، الحلّ هنا هو بتوسيع البرادات وإنشاء مصانع صغيرة إما للتجفيف أو مصانع للعصائر وهذا موجود في كلّ دول العالم، نحن في لبنان لدينا منتجات زراعية من مختلف الأنواع لكن، للأسف، فإنّ سلاسل الإنتاج ليست موجودة، أيّ ليست هناك حلقة تربط بين الفائض الإنتاجي والتصدير.
الزراعة قطاع حيوي ومربح وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة تحوُّل صناعيين وتجار كبار إلى الاستثمار في الزراعة.
‭{‬ ما هي الآلية التي تجعل القطاع الزراعي مُنتجاً وجاذباً للاستثمار فيه؟
‭{‬ الزراعات التقليدية جيدة ومنتجة للداخل ولكنها لا تستطيع أن تحقق نهضة اقتصادية، نحنُ نحتاج إلى الزراعات البديلة المتطورة كالزراعات العطرية، وهناك أيضاً زراعة مهمة جداً هي القنب الهندي الصناعي، وللأسف رغم إقرار مجلس النواب قانوناً يُشرّع زراعته للاستخدام الطبي والصناعي منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يتمّ حتى الآن وضع مراسيم تطبيقية له ليدخل حيّز التنفيذ، وفي غياب المراسيم والهيئة الناظمة لهذا القانون يخسر لبنان سنوياً ملياراً ونصف المليار دولار بسبب النكد السياسي فقط.
‭{‬ وكيف تتابعون كوزارة زراعة هذا الموضوع الهامّ في وقت هناك حاجة ملحّة في لبنان إلى زيادة المداخيل؟
‭{‬ لن أكفّ عن متابعة هذا الموضوع الحيوي والمهمّ فهذا مشروعي وسوف أقاتل فيه حتى النفس الأخير.
‭{‬ تحدثتم منذ فترة عن نقلة نوعية في مجال الاستزراع السمكي. ماذا تحقق من هذا المشروع حتى الآن؟
‭{‬ هناك حوالى 35 ألف عائلة لبنانية تعتاش من قطاع الصيد البحري والنهري، هؤلاء ليس لديهم طبابة ولا نقابات ولا تعاونيات، لذلك نحن بصدد إعداد قانون الصيد البحري وتتمّ متابعته في لجنة الزراعة النيابية وصار في خواتيمه. وفي هذا السياق، بحثنا مع «الفاو» كيفية استثمار الواجهة البحرية اللبنانية التي تمتدّ قرابة 210 كلم وهي غير مستثمرة وأبعد مركب يدخل عرض البحر على مسافة ستة أميال والكمية التي يصطادها تكاد لا تتجاوز 30 كلغ، إضافة إلى أنّ الصيادين يستخدمون الديناميت والشباك الجائرة ويمارسون الصيد المحرم أيّ في موسم وضع الأسماك لبيوضها. في هذا المجال نحن نتعاون مع «الفاو» و»الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط» GFCM و»المركز الوطني لعلوم البحار» CNRS، وقد تمّ وضع دراسة وإجراء مسح للثروة السمكية الموجودة في بحرنا من النقطة صفر وحتى النقطة 12 ميل وتبيّن أنّ هناك كمّاً هائلاً جداً، وبحسب التقرير الذي أُرسل إلى وزارة الزراعة هناك ما لا يقلّ عن 400 نوع سمك موجود لكنه يأتي في مواسم معينة، خصوصاً في الشتاء، لذلك نحن نعمل على إنشاء مزارع كبيرة للأسماك هي عبارة عن أقفاص عملاقة نربّي داخلها طحالب يأكلها السمك وبعد أشهر يتمّ إطلاق هذا السمك للصيد. لدينا 14 نهراً ساحلياً بالإضافة إلى نهر العاصي حيث توجد نوعية أسماك جيدة جداً.
سجل المزارعين
‭{‬ أطلقتم منذ بضعة أشهر “سجل المزارعين” بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة “الفاو”، ما هي أهمية هذا السجل في تنظيم العمل في القطاع الزراعي؟
‭{‬ الهدف من هذا السجل هو أن تكون لدينا “داتا” معلومات عن المزارع وعن القطاع الذي يعمل فيه، نباتياً كان أم حيوانياً، وأنواع الزراعات. تقديرياً لدينا حوالى 210 آلاف مزارع، منهم حوالى 37 ألف تسجّلوا حتى الآن. كان هدفنا أن نصل خلال عام إلى 50 ألف مزارع، لكن بهذا الرقم بعد مضيّ بضعة أشهر على إطلاق السجل نحن متقدمون عن الرقم الذي حدّدناه. سجلّ المزارعين هو مشروع واعد جداً وكلّ مراكزنا اليوم مجهزة بكلّ ما يلزم من إنترنت وطاقة شمسية وفريق عمل لإنجازه، والأمور تسير كما يلزم وإن كانت هناك صعوبات معينة فإنها قيد المتابعة اليومية.
‭{‬ وماذا عن التعاون مع وزارة العمل في هذا المجال؟
‭{‬ الهدف هو أنّ لا يتمّ تقديم أيّ دعم لأيّ مزارع إلا من خلال السجل، لذلك تمّ تشكيل لجنة متابعة مع معالي وزير العمل د. مصطفى بيرم وفريق عمله واتفقنا على أن تكون إجازات العمل الزراعي مرتبطة بالسجل، ومن يريد تشغيل عامل زراعي في أرضه يجب أن يحصل على رخصة من وزارة العمل، وهذه الرخصة لا تعطى له ما لم يكن مسجلاً في سجل المزارعين.
‭{‬ لطالما شدّدتم على أنّ خطة زراعة القمح هي خطة وطنية استراتيجية. ما الذي تقومون به لحماية هذه الزراعة وماذا عن شراء المحاصيل وتخزينها؟
‭{‬ أطلقنا خطة النهوض بقطاع القمح العام الماضي، وهذا العام قريباً سنبدأ التوزيع وسنرفع المساحات المزروعة من 15 ألف إلى 50 ألف دونماً. هناك كارتيل قمح واجهناه لأننا متمسكون بزراعة القمح محلياً. للتاجر حقّ في الاستيراد لكن ليس كلّ شيء، يجب أن يكون لدينا دائماً مخزون استراتيجي من القمح يكفي لعدة شهور. أما بالنسبة إلى شراء الدولة للمحاصيل فإنّ ذلك واجب عليها وحقّ للمزارعين وأقلّ تكلفة من الاستيراد من الخارج. وحتى لو لم تشتر الدولة المحاصيل سأظلّ أحضّ المزارعين على الزراعة.
أما بالنسبة إلى التخرين فهناك مشروع عبر الهيئات المانحة لبناء مخازن أفقية وليست عمودية للقمح تحديداً، وهناك تجربة رائدة مماثلة في الأردن ونحن ننسق مع وزارة الزراعة والأردنية على صعيد تبادل الخبرات ونتعاون مع الجهات المانحة لتنفيذ هذه المخازن فهي مشروع بسيط وتكلفته زهيدة.
‭{‬ هل هناك مشكلات تعيق الصادرات الزراعية إلى الدول العربية؟
‭{‬ السوق العربية بشكل عام مفتوحة أمامنا، ما عدا سوق المملكة العربية السعودية وقد التقينا كثيراً مع وزير الزراعة السعودي عبد الرحمن الفضلي ونأمل أن تُحلّ هذه المشكلة قريباً، فنحن ندعو دائماً إلى تكامل عربي لتحقيق الأمن الغذائي العربي، وهذا الموضوع كان الأساس للاجتماع الأخير لوزراء الزراعة العرب. وقد ساعدني كوني رئيساً للمجلس التنفيذي لمنظمة التنمية الزراعية العربية في توسيع العلاقات مع وزراء الزراعة العرب وفي التعاطي مع الواقع الزراعي العربي بشكل عام عن قرب.
‭{‬ بفعل الاعتداءات الصهيونية على الجنوب اللبناني خسرت هذه المنطقة مساحات حرجية كبيرة والآلاف من أشجار الزيتون. هل هناك خطة طوارئ معينة للحدّ من هذه الخسائر؟
‭{‬ قد خسرنا حتى الآن ما يزيد عن 40 ألف شجرة زيتون بالإضافة إلى آلاف الهكتارات من الأشجار الحرجية، وقد أوْدعت مجلس الوزراء كتاباً أطلب فيه أن يتقدّم لبنان بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، كما وجهت رسالة إلى مدير عام “الفاو” أطلب منه المساعدة لدعم أهلنا في صمودهم، وكما كانت شتلة التبغ عنوان للصمود وللانتصار في العام 2000 فإنّ شجرة الزيتون ستكون عنواناً لصمودنا وانتصارنا على العدو الصهيوني.
‭{‬ كيف تتابعون كمسؤول وصحافي ومواطن ينتمي إلى هذه المنطقة ما يجري في غزة؟
‭{‬ مقلق جداً ومحزن أن نشاهد الأطفال تُقتل من دون أن نسمع صوتاً ينادي بوقف هذه المأساة. هذا للأسف هو المشهد الطبيعي، دائماً الشعوب تُترك لمصيرها والدول التي تستطيع وضع حدّ للمآسي والحروب تغمض عينيها وتصمُّ آذانها عن ما يجري. في الاجتماع الأخير لـ “الفاو” في روما ناشدتُ قداسة البابا على مقربة أمتار من حاضرة الفاتيكان وهو يدعو دائماً إلى وضع حدّ لما يجري، ولكن من يمتلكون إدارة الأمور في هذا العالم لا يرون ولا يسمعون. لكنّ ما أريد قوله هو أنّ المقاومة هي حقنا المقدس وقد خبرنا كثيراً ولا نزال الاعتداءات الصهيونية وعايشنا الاحتلال ولم ننجز التحرير ونستعيد كرامتنا الوطنية إلا بالمقاومة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى