طوفان الأقصى… مكاسب إستراتيجية عصية على العدوان والمجازر
} خضر رسلان
شهدت معركة طوفان الأقصى التي شنّتها كتائب الشهيد عز الدين القسام وآزرتها فيها سرايا القدس والعديد من فصائل المقاومة تحوّلات استراتيجة حاسمة أصابت أهدافاً متنوّعة لم ولن تستطيع آلة القتل والعدوان الصهيوني وارتكاباته الإجرامية بحق الأطفال والمدنيين والبنى التحتية طمسها، لا سيما منها المستشفيات ودور العبادة، لا بل انّ تداعيات ذلك ثبّتت إحدى النقاط الأساسية المتأتية عن معركة طوفان الأقصى انّ منظومة القيم الغربية التي برّرت للعدوان الإسرائيلي ارتكاباته واعتبرت انّ قتل الأطفال وتدمير المستشفيات إنما هو «عمل مشروع» وبمثابة «الدفاع عن النفس»! فكان ذلك انكشافاً واضحاً لزيف هذه الشعارات البراقة التي عملت عليها طيلة السنوات السابقة هذه الدول ومقدّمة نفسها بأنها واحات للحرية والعدالة وحقوق الإنسان فجاءت عملية طوفان الأقصى لتعرّي ادّعاءاتهم وتكشف حقيقتهم العنصرية الحاقدة.
ثلاثة عناوين يمكن الإطلالة عليها ضمن المكاسب الاستراتيجية العديدة التي أنجزتها عملية طوفان الأقصى:
1 ـ الإنجاز الأهمّ والأكبر إعادة الاعتبار لـ فلسطين الدولة والشعب والقضية وهي التي عمل على طمسها طويلاً خليط كبير من الدول والمؤسسات والشخصيات سواء عبر الحروب او الصفقات المشبوهة او عبر المعاهدات الغامضة التي عملت على التسويف وإطلاق العنان لعملية بناء المستعمرات الصهيونية في عموم الأراضي الفلسطينية لا سيما منها القدس الشريف والضفة الغربية كهدف أول مترافقاً مع عملية إبعاد وتدمير للوجود الفلسطيني تمهيداً لتعبيد الطريق نحو تهجير جديد لما تبقى من شعب فلسطيني باتجاه مصر والأردن ولبنان فجاء الطوفان من حيث لا يحتسبون وأعاد قضية فلسطين الهوية والانتماء الى الواجهة فكانت إحدى أهمّ إنجازات عملية طوفان الأقصى.
2 ـ إنجاز استراتيجي آخر أنتجته عملية طوفان الأقصى لا يقلّ أهمية عن إعادة طرح القضية الفلسطينية من جديد على المستوى العالمي وهو تعرّض محاولة تشريع الوجود الإسرائيلي في المنطقة من خلال عمليات التطبيع الى ضربة قاصمة بعد ترويج نفذته لسنوات طويلة الكثير من الدول وشركات الإعلان والإعلام يصوّر الكيان على أنه واحة للديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان! وأنه مثال يُحتذى! وكادت هذه الأكاذيب تنجح بمؤازرة دول وأنظمة ومطبّعين متعددي المشارب فانهارت مساراتهم وأمانيهم مع بزوغ فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي فاض طوفانه ليغرق مشاريع التطبيع والتشريع والترويض الى غير رجعة.
3 ـ من المكتسبات الاستراتيجية التى أنجزتها عملية طوفان الأقصى أنها أفقدت «إسرائيل» مكانتها كما أشارت العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية التي حللت وقيّمت نتائج عملية طوفان الأقصى سواء في مدلولها العسكري أو في التعاطف الشعبي الداخلي والعربي والعالمي وأيضاً انعكاساتها على الداخل الاسرائيلي الذي فقد أهمّ عنصر من عناصر الأمان وهو الثقة بالجيش ومخابراته، وتفيد هذه المراكز أنه في الحالة الإسرائيلية وبناء على السياق التاريخي فإنّ استمرارية الكيان وديمومته العلة الوحيدة فيه شعور المستوطنين بقدرة الجيش الاسرائيلي على حمايتهم دون ايّ رعاية وتدخل من أحد حتى ولو كانت الولايات المتحدة، وبناء عليه استخلص هولاء الباحثون في دراساتهم انّ عدم ترميم عملية فقدان الثقة بين المستوطنين والجيش مضافاً اليه ارتفاع منسوب العداء والكراهية مع مختلف شعوب العالم لا سيما العربية منها ما سيرمي بظلاله على ما يخشونه في الكثير من منتدياتهم من خراب ثالث أصبح أكثر قرباً، وهذا يرجح ارتفاع وتيرة الهجرة المعاكسة بحسب ما وصلت إليه أبحاث الكثيرين من مراكز الدراسات الاستراتيجية.
إنجازات استراتيجية كثيرة حققتها عملية طوفان الأقصى، إلا أنّ مسارات ما يشي من مواجهات في غزة من بطولات وملاحم يحققها أبطال المقاومة الفلسطينية ربما ينتج عنها تحوّلات كبيرة ذات أبعاد وتردّدات من المرجح لها ان تعيد رسم بعض الخرائط والتحالفات التي ستعزز بلا شك في قوة وحضور ثقافة الممانعة والمقاومة.