القلق الأميركي من الحديث عن القنبلة النووية
ناصر قنديل
– سارع بنيامين نتنياهو إلى وصف تصريحات وزير التراث في حكومته عن احتمال استخدام القنبلة النووية في غزة، بالجنون، بعدما تبلغ حال الهستيريا التي أصابت واشنطن من وراء هذا الكلام. وانزعاج واشنطن ليس ناتجاً عن القلق على حياة الفلسطينيين، بل بسبب القلق على التداعيات التي سوف تترتب على هذا الكلام ما لم تقم بنفيه الحكومة وتشنّ عليه هجوماً صاعقاً. فالإعلان الذي فضح مناقشات حكومية جرى فيها التطرق لفرضية السلاح النووي، لم تكن بالتأكيد جلسة احتفال بالنصر، حيث لا حاجة للنووي، بل جلسة نحيب على الخسائر وبكاء بسبب الفشل، حيث القنبلة النووية تصبح خياراً مطروحاً.
– القلق الأميركي الأهم عائد الى توقعات بوجود تربّص روسي لكل لحظة من لحظات حرب غزة، وحجم الدعم الأميركي لجيش الاحتلال بالتصرف دون ضوابط، هي الضوابط ذاتها التي تمّت ملاحقة روسيا ورئيسها أمام المحكمة الجنائية، بينما يتلقى كيان الاحتلال كامل الدعم والتغطية لما هو أشد خطورة وأعظم أذى. وفي قلب هذا القلق لا يخفي الأميركيون خشيتهم من أن يتخذ الروس الكلام الإسرائيلي ذريعة لبدء التلويح النووي، ما يعني نشوء معادلة لم تكن موجودة قوامها، ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير تعليقاً على العدوان على غزة، عن اعتبار خير دعم تقدمه روسيا لأهلها ومقاومتها هو مقاتلة الأميركي الذي يقاتله الفلسطينيون هناك، والمعادلة هي أن تعريض الشرق الأوسط للخطر النووي يعني تعريض أوروبا للمثل.
– يقلق الأميركيون أكثر مما يتركه الكلام الإسرائيلي من تأثير على الملف النووي الكوري الشمالي، حيث تمتلك كوريا سلاحاً نووياً وترفض نزعه، وتعتبر أن امتلاكه هو بوليصة التأمين ضد أي نيات حرب ضدها، والتلويح الإسرائيلي يؤيد النظرية الكورية بأن من حق كوريا ان تمتلك ما تمتلكه «اسرائيل بتغطية أميركية ومن خارج أنظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فلماذا يكون الممنوع على كوريا مسموحاً لكيان الاحتلال، بل إن لا شيء يمنع تلويحاً كورياً باستخدام السلاح النووي تجاه الشطر الجنوبي من كوريا، تحت اعتبارات الخطر على الأمن القومي، التي يشهرها الإسرائيليون، وحق الدفاع عن النفس الذي يقدمه الأميركيون كغطاء لما يسمّونه الحق الإسرائيلي بالقتل، علماً أن كوريا الشمالية لا تحتلّ أرض أحد ولا تضطهد شعبا آخر وتسلبه حقوقه وتعرّضه لحرب إبادة.
– القلق الأميركي الأكبر هو من إيران، وهو قلق مزدوج، قلق على «إسرائيل» ما لم تسارع حكومة نتنياهو للنفي والتنديد بكلام الوزير الياهو، لأن إيران تتربّص بأي تجاوز للخطوط الحمراء يفتح لها الباب لتصعيد سقوف معادلات الردع بوجه الكيان، والتلويح بالسلاح النووي تجاوز عالي المستوى من هذا النوع. هذا إضافة الى ان ايران التي تمتنع طوعاً عن امتلاك سلاح نووي، وتخوض واشنطن معها مفاوضات صعبة حول مراقبة ملفها النووي، سوف تجد إحراجاً استراتيجياً في المضي في التفاوض بينما واشنطن التي كانت تصمت عن امتلاك الكيان لسلاح نووي ها هي تصمت على المجاهرة بامتلاكه بل والمجاهرة باستخدامه.
– المشهد الدائر في غزة وحولها تحول إلى ميدان شديد الحساسية في العلاقات الإقليمية والدولية، حيث كل الخيارات مفتوحة، والتوازنات الهشّة معرّضة للسقوط وإعادة التشكيل على قواعد جديدة، والمفاوضات الدائرة لحفظ الاستقرار أصيبت بالصميم وصار من الصعب استئنافها قبل أن ترسو معادلات غزة على نهايات واضحة.