في خطاب السيد نصر الله: عاملان أساسيان مخفيان من بين عواملَ أخرى
} ميرنا لحود
يُعرف عن خطابات السيد حسن نصر الله بأنّها لامعةٌ وبليغة ومفصلية. يحتاج كلّ من يحاول تناول الخطاب وتمحيصه إلى ركائز ثقافيةٍ عالية. إذا لم تُضَف خطابات السيد حسن نصر الله إلى مواد تشفير الخطابات في الجامعات، فهذا لأنَّ تحديداً الغرب يعتبر تدريس خطابات السيد نصر الله بمثابة الاعتراف بمواقفه التي هي دائماً صائبة، ولا يريد الغرب بالتالي تسجيل هذا الموقف لما يؤدّي إلى فضحه وآلته الإعلامية لكثرة الكذب وتحوير الحقائق. لكن أجزاءَ كبيرةً تؤخذ من خطابات السيد نصر الله ويتمّ تناول مقاطعَ كثيرة لتفسير هذه الفكرة أو تلك العبارة، ومن حيث لا يدري العالم وجامعاته ومراكز تحليلاته فهذا بحدّ ذاته اعتراف بأهمية خطاب السيد نصر الله. فالخطابات التي تدرس هي لأشخاص غيّروا وأثّروا في مجريات ومسار التاريخ مثل جمال عبد الناصر.
تمتاز خطابات السيد نصر الله بعوامل عدة لا أثر لها في خطابات أخرى موجودة في العالم. وهي ميزةٌ إنْ لم نقل نعمةٌ.
أولاً: يطغى على خطابات السيد نصر الله الطابع الروحاني. ففي خطابه الأخير الذي انتظره العالم، كان واضحاً أنَّ السيد وعلى عادته يستند إلى إيمانه بالله (عزّ وجل) ورجائه به. ومن هنا، يستمدّ السيد والمقاومة معه القوة. فاللحظة دقيقة بالنسبة لمنطقة المشرق وللعالم، وقد ننتقل من مكان إلى آخرَ وتتغيّر خرائط في أماكن عدة خاصةً في منطقة المشرق. وعلى أهمية اللحظة، لا يتسلح سيد المقاومة إلاَّ بإيمانه بالله. فبفضل الإيمان هذا تُتخذ القرارات بدقة وبعد التشاور والدعاء والصلوات. يتجلى ذلك في انتقاء الكلمات وتناول الأفكار والتسلسل المبيّن. لا عشوائيات في الأسلوب ولا خلل في النبرة أو التعبير.
شاء من شاء وأبى من أبى، إنَّ كل خطاب لسماحة الأمين العام لحزب الله يعكس شخصية القائد الكبير والسيد الروحاني والمدبّر والجامع لساحات المقاومة. يقرأ الأحداث بواقعية وإنسانية وهي ميزةٌ لا بل نعمةٌ نادرةٌ. ويردّ على التهديدات كما يجب، ما يجعل العدو وأتباعه في أماكنهم من شدة الكذب و»العهر» والحقد، أيّ صفات إبليس. إنّ المؤمن لا يحتاج إلى لغة المراوغة والاحتيال والشتم. «من هو معنا فهو ليس ضدّنا» ومن يرافقه الله فهو لا يخاف شيئاً. «صخرتي هو (الله) وخلاصي، ملجأي فلا أتزعزع». السيد لا يدخل المعارك لوحده فالرب معه لذا النصر حليفه وإنْ شاء الله دائماً ودوماً.
أما العامل الثاني فهو يكمن في الشرح. تُعلّم خطابات السيد حسن نصر الله وتُلقّن السامع وتعطي المعلومة اللازمة مصحوبةً بتواضع مؤثرٍ يحفر في العمق. يحرص السيد على أن يشارك الجمهور، خاصة المحب لفهم الأمور، لأنَّ ذلك يحدّ من الضياع والكذب. وبذلك يستفيد الجميع من الشرح محلياً وإقليمياً ودولياً. ومن حيث لا يدري أحد، يؤخذ كل من يستمع إلى الخطاب لأنَّ الشرح واضح وواقعي وبأسلوب السهل الممتنع الذي يتطلب ثقافةً عالية وهذا عطاء فريد من عند الله. هل حاول أحدٌ ترجمة جملةٍ أو جملتين من كلام الرئيس ماكرون؟ ما يعني الكلمة ونقيضها؟ من له أذنان سامعتان فليسمع ليفهم! إذا لم يتسنَّ لنا الفهم فكيف المضي في تدبر الأمور؟
علاوةً على ذلك، إنَّ كلَّ من يتسلح بالإيمان يُجيد الغموضَ البنّاء. فالبصيرة هي التي تقود وتُرشد ولا تُعطى لأيّ كان وكيفما كان إنما يُنعم بها على الشخص. فمن هنا إلى المجتهدين الذين يريدون الدخول إلى ذهن السيد حسن نصر الله لمعرفة كيف يفكر وبماذا يفكر: عبثاً تحاولون! من الأفضل أن تفلحوا الأرض أقله تساعدونها لتتنفس وتتنفسون معها وإنْ أحسنتم قد تدرّ عليكم بالمنفعة لأنَّ العمل يحتاج إلى حسن النية والصدق والإخلاص.
قلما نجد في العالم قادةً وسادةً مثل سماحة السيد نصر الله الذي يوفّق بين الروحانية والسياسة لخدمة الإنسانية. يعلّمنا كلام الله أنَّ التواضع والعمل لأجل مصلحة القريب يحتاجان إلى جهد أليم ٍوتضحيات كبيرة، وها إنَّ حزب الله مع أمينه العام يقدّم للقضية الفلسطينية والوطنية وللمنطقة ويعمل جاهداً لدحر إبليس اللئيم والقاتل المجرم والمضلّل الدافع إلى الهلاك.
وهنيئاً لمن يحافظ على كلام الله وعلى بيت الله ومقدّساته ويتحدث ويعمل ليوم القيامة والملكوت في خطاباته وسلوكه وأعماله وأفعاله.
خطاب السيد حسن نصر الله كباقي الخطابات مدرسةٌ تحتوي على كافة عوامل الأخلاق العالية والإنسانية المحتضرة في الغرب والمكدّ على إزالة أثر الخالق والإيمان والتعليم السليم الذي يوسّع الآفاق ويُغني الإنسانية كي لا تندثر ويندثر معها الإنسان.