غزة تقاوم وشعبها يذبح… فهل تتحرك الجيوش العربية؟
} د. عدنان نجيب الدين
خمسة وسبعون عاماً مرّت ولم يتمكّن العرب من غسل عار النكبة التي حلت بفلسطين عام 1948 !
خمسة وسبعون عاماً من الذلّ والهوان والتبعية لمن أسس الظلم وزوّر التاريخ وأهدى فلسطين لعصابات القتل والإجرام من الصهاينة المتوحشين!
خمسة وسبعون عاماً مرّت على أجيال وأجيال من اللاجئين في أرضهم أو خارجها من الفلسطينيين الذين أجبروا على تجرّع كأس حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، واليوم يُراد لهم طمس هويتهم وترك أرضهم والإقرار للغاصب المحتلّ الآتي من خارج المنطقة بـ «شرعية» اغتصابه فلسطين….
خمسة وسبعون عاماً مضت والكلّ يكذب على شعب فلسطين، تارة بمفاوضات أعطي لها عنوان «عملية السلام»، وتارة عنوان «حلّ الدولتين»، ليشرعوا للعدو الصهيوني وجوده على أرض فلسطين بعد اغتصابها من أهلها بالقوة، ولهؤلاء نقول: فلسطين ليست أرضاً مشاعاً، لأن لها شعباً يملكها، وفيها جذوره التاريخية ورفات أجداده منذ مئات بل آلاف السنين…
واليوم، وعندما انتفض أبطال غزة لاسترداد بعض حقوقهم، ولتحرير أسراهم المعتقلين في سجون العدو، وفكّ الحصار الظالم واللاإنساني عن قطاعهم الذي يتعرّض اليوم للدمار يعانون الأمرّين، إذ قام العدو الصهيوني بهجوم عدواني عليهم، فراح يرتكب المجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين، ويدمر البيوت على ساكنيها ويقطع عن أهل غزة الماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء وحتى وسائل الاتصالات والانترنت… فماذا فعلت دولنا في العالمين العربي والإسلامي، الكلّ ينظر ويشاهد هذا الإجرام الذي يحصد آلاف الضحايا جلهم من الأطفال والنساء وينثر أشلاءهم فوق البيوت المهدّمة وتحتها، ولم يتحرّك لدى كثيرين ضمير، ولا إحساس بالإنسانية أو بطعم الكرامة، ولا بموقف شجاع او صرخة غضب في وجه المجرم المحتل…!
أليس مذلاً لكم أن ننتظر أخذ الإذن من العدو لإمداد أهل غزة ببعض ما يحتاجونه من مساعدات إنسانية بشكل طارئ وملحّ من الغذاء والماء والدواء؟
ماذا تقولون أيها المسؤولون العرب لهؤلاء الثكالى وهؤلاء النساء الممزقة أجسادهم والأطفال الذين تشلّعت أعضاؤهم فوق حجارة منازلهم المهدمة؟
هل أصبحت المشاعر الإنسانية لا تحسب إلا بالمصالح الشخصية على حساب الكرامة الوطنية والكرامة العربية؟ ماذا دهاكم حتى تتوسّلوا الصهاينة المجرمين من أجل فتح المعابر لإمداد من بقي حياً من أهل غزة بما يسدّ رمقهم ومداواة جروحهم؟
هل تنقصكم الجرأة والكرامة لتفرضوا على «إسرائيل» وقف الحرب ومن ثم معاقبتها على جرائمها ضدّ شعب غزة وفلسطين؟ لا نظن ذلك وحاشا لكم أن تكونوا كذلك. قد نكون لكم حساباتكم، مع علمنا أنكم لا تحبّون حركات المقاومة بالرغم من أنها حركات تحرر ترفض أن تكون أوطانها منقوصة السيادة، وأن يكون أبناء شعوبها عبيداً عند أميركا والغرب.
ولذلك نسألكم: هل تعتقدون أنّ شعوبكم كانت لتتحرر من الاستعمار او المحتلّ لولا المقاومة والنضال وتقديم التضحيات؟ أليس هذا ما تفعله اليوم المقاومة الفلسطينية حتى تنتزع حريتها واستقلالها؟
وهل كنتم لتصلوا إلى كراسي الحكم حيث أنتم الآن لولا تضحيات شعوبكم في سبيل الحصول على حريتها واستقلالها؟
ونسألكم أيضاً: هل أنتم وكلاء عن الغرب لتحكموا شعوبكم وتأخذوها إلى حيث لا تريد، بل فقط إلى حيث تريد «إسرائيل» وحكام أميركا لكي تكون خاضعة لهم، ايّ لمنعها من التقدّم والازدهار ولكي تبقى بلادكم سوقاً استهلاكية فينهبون مواردكم وثرواتكم وانتم تنظرون وعن مصالح شعوبكم غافلون؟
ألا تسمعون بالمثل الذي يقول «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض»؟
فهل تظنون أنّ الصهاينة سيوفرونكم لو هُزمت المقاومة لا سمح الله؟ أم أنكم ستكونون أنتم وشعوبكم عندما يأتي دوركم في رأس جدول الحسابات الصهيونية لتصبحوا أنتم وشعوبكم الضحايا القادمين؟ ألم تروا ما جرى لحكام سبقوكم كانوا أكثر منكم ولاء لأميركا والغرب؟ ألم تروا ما حلّ بدول مثل سورية وليبيا والعراق واليمن والسودان من حصار وشلالات دماء نتيجة الإرهاب التكفيري والفتن التي أثارها هذا الغرب المنافق بين أهلها وجرى تمويلها عربياً وبتخطيط أميركي، بصورة خاصة؟
إنّ كلّ هذه الحشود البحرية التي أتت بها أميركا ودول الغرب من حاملات طائرات ومدمّرات وبوارج حربية جاءت لترهب عالمنا العربي وترهب إيران وتحاول ثنيها عن الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، ولترسم خارطة جديدة للمنطقة تكون فيها «إسرائيل» هي المهيمنة وهي السيدة التي يجب أن تطاع، ولن يكون حكام العرب في ظلّ الهيمنة الصهيونية الأميركية إلا أدوات ودمى بأيديهما، كما أنّ أبناء أمتنا العربية سيكونون مجرد خدم وعبيد عند «إسرائيل» لأنّ اليهود يعتقدون كما ورد في تلمودهم أنّ «الناس هم بهائم خلقوا على صورة البشر كي يليق بهم خدمة اليهود».
هذا فضلاً عن أنّ أطماع الصهيونية العالمية لا تقتصر على فلسطين ولبنان، بل هي تريد المنطقة بأكملها من النيل إلى الفرات ومعها إيران ايضاً. فأيّ عربي أو مواطن حرّ وعاقل ينتمي إلى هذه المنطقة يقبل بهذا الأمر؟
إنّ أميركا تخدعكم فاحذروها، فهي تريد من الحكام العرب إعطاءها رأس المقاومة كي يحفظوا رؤوسهم. هذه خدعة مفضوحة نأمل ألا يقعوا فيها. لأنّ أميركا اذا ما تمّت الاستجابة إلى مطلبها هذا وساعدها حكامنا في هذا الأمر فرؤوسهم هي المطلوبة لاحقاً وسيندمون عندها ندماً شديداً، والعبرة في من سبق من الحكام.
فلماذا أيها المسؤولون العرب لا تتنتفضون لكرامة شعوبكم في وجه الإجرام الصهيوني والغطرسة الأميركية والأوروبية؟ ماذا تنتظرون لتثبتوا لشعوبكم الحرة أنكم رجال المرحلة وأنكم وطنيون وعروبيون وأحرار ترفضون الوصاية عليكم وعلى شعوبكم.
فإذا كانت شعوب العالم كما الشعوب العربية تظاهرت كلها لتقف مع شعب غزة وترفض بشدة حرب الإبادة ضدّ أهلها المظلومين الصابرين والمقاومين، فلماذا أنتم تتردّدون وتبدون عاجزين وبلا حول لكم ولا قوة؟ فلا الإدانات ولا التعاطف اللفظي مع الضحايا يجدي، لأن لا شيء يمنع المجازر ومحاولات التهجير القسري الذي يحاول الصهاينة فرضه على الشعب الفلسطيني في غزة ولاحقاً على شعب الضفة الغربية سوى الموقف الحازم المستند إلى القدرة على المبادرة ولو بالقوة العسكرية. فهذا العدو المجرم لا يفهم إلا لغة القوة والمواقف الشجاعة. كلّ المفاوضات السابقة وكلّ ما يعرف بعملية السلام واستعادة الحقّ الفلسطيني لم يكونا إلا وعوداً كاذبة أسفرت عن مزيد من الإذلال وخسارة الأراضي لصالح المستوطنين.
وطالما أنّ الشعب الفلسطيني لم يحصل على حقوقه المشروعة في أرضه ووطنه فإنّ الحروب ستستمر ولو توقفت لفترات.
ومع هذا العدوان الإجرامي على غزة سقطت اتفاقية أوسلو ومشروع الدولتين الذي لا يلبّي طموحات الفلسطينيين في استعادة كامل حقوقهم على كامل ترابهم الوطني. هذا فضلاً عن أنّ الكيان الغاصب العنصري لا يؤمن إلا بدولة يهودية صافية على كلّ أرض فلسطين. وبناء عليه، فإنّ على الدول العربية العودة إلى مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الواحدة على كلّ أرض فلسطين التاريخية التي يعيش عليها الجميع ويتساوى فيها الجميع. وعندها يعود الحق لأصحابه ويعود السلام إلى المنطقة. ومن دون تحرير فلسطين ستبقى شعوبنا العربية والشعب الفلسطيني يعيش دوامة الحروب الى ما لا نهاية، بحيث لا يكتب لشعوبنا أيّ نهضة حقيقية ولا أمن ولا سلام حقيقيين.
المطلوب اليوم العمل من خلال التهديد بالقوة او باستعمالها من أجل عودة الشتات الفلسطيني إلى فلسطين وعودة المستوطنين الصهاينة إلى الدول التي أتوا منها. هذا هو المشروع الوطني الصحيح وهذا هو الحل العادل والشامل.
انّ أمتنا تملك من القوة ومن الثروات والموارد ومن المواقع الاستراتيجية ما يجعل الغرب وأميركا يرتجفان اذا هدّدنا باستخدامهما لوقف العدوان على غزة واستعادة الحق الفلسطيني.
إنّ شعوبنا العربية ليست متخاذلة ولكنها مغلوب على أمرها وقريباً ستنتفض. أنا لا أصدّق أنّ النخوة العربية والكرامة الوطنية والحسّ الإنساني ينقصها، ولذلك كلّ تعويلنا عليها لأنها سبق وقدمت التضحيات في سبيل العزة الوطنية والكرامة العربية…
لقد أنجبت الأمة ثوار فلسطين الأحرار ومنهم أبطال غزة الذين يقودون مقاومة وطنية باسلة في وجه الاحتلال الصهيوني، أما في لبنان الذي تمكنت فيه المقاومة الوطنية من طرد المحتلّ الإسرائيلي من بيروت ومناطق عديدة عام 1985، إلى أن برز في هذه الأمة العربية والإسلامية قائد بطل ملهم واستثنائي ومسدّد قاد مقاومة الشعب اللبناني حتى التحرير الكامل من الاحتلال الصهيوني عام 2000 بعد دحر العدو «الإسرائيلي» وخروجه من الجنوب ذليلاً من دون قيد او شرط ولا اتفاق سلام، وهذا البطل المقدام هو الذي تصدّى للعدوان الصهيوني في عام 2006 يتقدّم أسود المقاومة الإسلامية والوطنية فهزم القوات الصهيونية المعادية في مواجهة بطولية منعت مشروع الشرق الأوسط الجديد من التحقق كما أرادته أميركا و«إسرائيل». كما قاوم الجماعات الإرهابية التكفيرية في سورية ولبنان وانتصر عليها… إنه سماحة السيد حسن نصر الله الذي يقود اليوم مقاومة بطولية عاقلة وحكيمة على امتداد شرقنا العربي في وجه الاحتلال الصهيوني كما يخوض من جنوب لبنان مقاومة دعم ومساندة لشعب غزة العظيم…
إذاً، ليست أمتنا ضعيفة ولا ينقصها الرجال الرجال… اما المفاوضات والحلّ السياسي فلم يفضيا الا الى تطبيع مذلّ مع العدو «الإسرائيلي» والى تقييد حركة الجيش المصري في سيناء، والى اتفاقية أوسلو المشؤومة التي تمّ فيها التنازل عن اكثر من ثلاثة أرباع فلسطين للصهاينة المحتلين ولم يحصل الفلسطينيون على ما وُعدوا به من دويلة مستقلة ذات سيادة بل استمرّ الصهاينة في إقامة مستعمراتهم على ما تبقى للفلسطينيبن من أرضهم، ويجري قتل وتعذيب كلّ من يقاوم سياسة الاحتلال.
أنّ الأمة العربية تملك موارد هائلة لم تستخدمها حتى الآن في سبيل نصرة الحق الفلسطيني وردع الصهاينة عن جرائمهم ضدّ الإنسانية. هذه الأمة تملك ايضاً جغرافيا مميّزة وفيها الممرات البحرية والمضائق، وكذلك موارد نفطية وغازية لو أحسن استغلالها لجاءت أميركا والغرب راكعين عند أعتاب الحكام العرب يسألونهم المغفرة عن جرائمهم في دعم كيان غاصب مجرم غير شرعي،
فلو توحد حكام الأمة العربية في وجه الصهاينة والغرب على قاعدة التمسك بحقوق شعوبهم ومصالحها وعدم التفريط بقرارهم الحر وعدم التبعية للغرب وأميركا بالذات والتي أثبت تاريخها المعاصر أنها عدوة الأحرار في هذا العالم لأنها تريد الهيمنة وتثير الفتن المذهبية بين الشعوب، لا سيما شعوب المنطقة لبث التفرقة بينها وبين مكوناتها.
ولو تعاونت شعوبنا وحكوماتنا بإخلاص مع الداعم الاول للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة أعني به الجمهورية الإسلامية في إيران وكذلك تعاونت معها دول العالم الإسلامي لاستطاعوا تحرير بلادهم وشعوبهم من الوصاية والهيمنة الأميركية والغربية، ولفرضوا على الدول الأوروبية أن تستعيد كلّ مواطنيها اليهود الذين جاؤوا منها إلى فلسطين فاحتلوها عنوة وبالمجازر، وبتخطيط من هذه الدول، في وقت كان فيه الشعب الفلسطيني مغلوباً على أمره في ظلّ الانتداب البريطاني المتآمر.
المطلوب منكم يا حكام العرب وقفة عز فقط، لأنّ «الحياة وقفة عز فقط» كما قال الزعيم أنطون سعاده، وعندها لن يعود العالم ينظر إليكم باحتقار، لاأنّ يدكم ستكون هي العليا وستعود شعوبكم حرة، تفخر بكم، كما ستفخر بعروبتها وتاريخها وحضارتها وتثق بمستقبلها.