بوابة التحرير
} مأمون ملاعب
حين تضايق الجيش الأميركي من النزف جنوداً وعتاداً على أرض فيتنام أو العراق أو أفغانستان انسحب منها، وهذا ما فعله الفرنسيون في الجزائر وحتى ما فعله العدو الإسرائيلي في لبنان. إنما ما يعني أن يتضايق الجيش الصهيوني ويتكبّد الخسائر ويحصد الهزائم على أرض فلسطين؟ لا يمكن أن نذهب بالمقارنة بين احتلال فلسطين وايّ احتلال آخر في العصور الحديثة. فأيّ هزيمة كبرى لجيش الاحتلال تقود إلى تفكك الدولة وإلى بداية زوالها.
يقول بعض الباحثين أو المفكرين أن دولة العدو وجدت لجيشها على عكس بقية الدول حيث الجيوش توجد للدولة. تنطلق هذه النظرية من فكرة أنّ (إسرائيل) هي قاعدة عسكرية لدول الاستعمار وانّ الدولة وُجدت لهذه القاعدة، لكن هذه النظرية تفتقد إلى الدقة. (إسرائيل) ليست دولة طبيعية بمعنى أنّ سكانها ليسوا استمراراً لأجيال متعاقبة على أرض فلسطين بل هم تجميع من دول عديدة لبشر تجمعهم صفة دينية ويدّعون أنهم شعب وعلى أرض مأهولة بشعب ينحدر عبر أجيال من سلالات وجدت على الأرض منذ ما قبل التاريخ الجلي.
لكونها كذلك كان لا بدّ أن تكون الهجرات الأولى تلك التي تشكل رأس الحربة أيّ العصابات المقاتلة والتي تشكل منها الجيش في ما بعد، وهذا يعني أنّ الجيش تشكل قبل الدولة. الهجرات اليهودية المتلاحقة التي نظمتها الحركة الصهيونية إلى فلسطين تمّت تحت شعارات الترغيب بالإضافة إلى الشعارات الدينية. فأرض الميعاد هي أرض الرخاء والازدهار وأرض (إسرائيل) التاريخية هي الجنة الموعودة وأرض الاستثمار والغنى يترافق ذلك مع الطمأنينة والجيش هو عنوان الطمأنة، قوته هي الحاجة الأساسية الأولى لجماعات تدرك جيداً، بصرف النظر عن معتقداتها، أنها تدخل أرضاً لبشر آخرين وتسلب بيوتاً وأملاكاً وتنتهك حرمة شعب آخر كان قبل ذلك آمناً. من هنا كان الهمّ الأول للصهيونية العالمية والاستعمار الغربي أن يكون جيش (إسرائيل) هو الجيش الذي لا يُقهر، دعاية كانت قوافل المهاجرين متعطشة إليها.
بعد حرب حزيران 1967 اطمأن سكان الكيان من اليهود على وضعهم فانطلقوا يكشفون ما يضمرون من عنجهية وكراهية وعنصرية.
7 تشرين الاول 2023 أطاح بالطمأنينة وجلب القلق والرعب لكيان العدو. تبخّرت معه كلّ دعايات الترغيب وأضحى شعور الخوف أقوى من كلّ المشاعر الدينية. حين هرب سكان المستعمرات الجنوبية كانوا في سباق مع الهلع. مَن سيعيدهم إلى مستعمراتهم؟ بعد ذلك تبعهم سكان المستعمرات الشمالية.
يدرك المسؤولون في كيان العدو ومعهم المسؤولون في الغرب خصوصاً الولايات المتحدة أنّ الكيان دخل منعطفاً جديداً ووضعه أمام إمكانية الزوال ومن أجل تفادي هذا الخطر المحدق أدركوا في قرارة أنفسهم أنّ جيش الكيان بحاجة إلى انتصار مبين وأنّ إزالة الرعب والقلق من نفوس سكان المستعمرات الجنوبية، على الأقل، يشترط هزيمة ساحقة لحركة حماس وإنّ أمكن إزالة قطاع غزة بالكامل ثم عبّروا عن ذلك بالعلن ووضعوه هدفاً وقد غابت عنهم، وبسبب العنجهبة المريضة، إمكانية التحقيق..
شخصياً كنت أظنّ أنّ المسؤولين في الولايات المتحدة على الأقلّ سيكونون أكثر منطقية ويتعلمون من نتائج حرب تموز 2006 أو الحروب اللاحقة على قطاع غزة، وبالتالي سيعملون على تأمين مخرج العدو من الحرب خاصة بعد جريمة المستشفى المعمداني، لكن على ما يبدو فإن الرعب الوجودي عند مسؤولي كيان العدو طغى على ايّ أمر آخر وجرّوا معهم الغرب فزجّوا بجيشهم في معركة برية يعلمون مدى الخسائر الكبيرة فيها علها تبعد شبح الهزيمة الكبيرة الهائلة إضافة إلى ارتكابهم أعتى الجرائم والمجازر في التاريخ على احتمال قلب المعادلة: الرعب والخوف وشبح الموت عند شعبنا ومحاولة إعادة الطمأنينة للمستعمرين، لكن عبث.
لم يعد أحد بقادر على التوقع الواضح. غبار المعركة طغى كلياً. كيان العدو أمام خيارات صعبة جداً، استمرار النزف والخساىر أو وقف النار بمعنى التسليم لشروط حماس مما يعني الهزيمة الاستراتيجية التي تؤسّس لمرحلة الزوال. خيارات صعبة لم تتخذ بعد على أمل إنجاز ما بالميدان، ما زال بعيد المنال. المقاومة الفلسطينية من جهتها ليست صاحبة القرار بوقف إطلاق النار ولا يمكنها رغم الدماء الذكية المتدفقة، أن تطرح خيار الإذعان، هي حملت الآلام وتحلّت بالصبر المرير مفجوعة على شعبها لا خيار لها سوى التصدي وتكبيد العدو مزيداً من الخسائر يقيناً أنها ستفرض شروطها على العدو، وإن ذلك يستحق كلّ التضحيات الجسام فهو يشكل بوابة تحرير فلسطين.