قمّة لاءات الرّياض الثّلاث
} شوقي عواضة
من بين الرّكام في غزّة خرج طفلٌ فلسطينيٌّ ينادي أهله بالأسماء فلم يلقَ منهم مجيباً، بحث عمّا تبقّى من أشلائهم فلم يجدها، جلس على أنقاض بيته يبكي، يصرخ وينادي بأعلى صوته مستنجداً بما تبقّى من شهامة العرب وكرامتهم ونخوتهم. ردّ عليه الرّكام كاسراً صمت الأعراب القاتل وقال: يا بنيَّ في قانون الغاب الأميركيّ ممنوع على الشّعب الفلسطينيّ أن يحطّم قيد الاحتلال الإسرائيليّ ويتحرّر من غطرسته وممنوع على المقاومة أن تخرج منتصرةً في غزّة… ممنوع أن يكون لبنان قويّاً بمقاومته، وممنوع أن تكون سورية دولةً قويّةً وحصناً منيعاً للمقاومة، في قانون ساكسونيا ممنوع على العراق أن يمضي في الرّكب العربيّ الأصيل الرافض للاحتلال الأميركيّ، وممنوع على اليمن أن يكون مستقلاً قويّاً. في قانون الدّيموقراطيّين ممنوع أن تكون حرّاً وفي قانون الجمهوريّين ممنوع أن تكون أبيّاً…
لكن إرادة الشّعوب كسرت كلّ تلك الممنوعات الأميركيّة وانتصرت بالمقاومة التي هشّمت صورة الجيش الذي قيل بأنّه لا يُهزم، وعبّدت طريق استقلالها بالتّضحيات والدّماء. ذلك الانتصار الذي كتب عنه في معهد واشنطن المساعد الخاصّ للرئيس الأميركيّ باراك أوباما سابقاً دينيس روس قائلاً: سيؤدّي النّصر المُتصوّر الذي تحقّقه «حماس» إلى تأكيد شرعيّة أيديولوجيّة الرّفض، ويعطي الزخم لإيران والمتعاونين معها، ويمنع إمكانيّة السّلام مع (إسرائيل). مضيفاً أنّه نظراً لقوّة الجيش (الإسرائيليّ) وهو الأقوى على الإطلاق في المنطقة – فإنّ أهداف إيران والمتعاونين معها بدت غير معقولة، حتّى قبل بضعة أسابيع. لكنّ أحداث 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر غيّرت كلّ شيء. وكما قال أحد القادة العسكريّين الإسرائيليّين: «إذا لم نهزم «حماس»، فلن نتمكّن من البقاء هنا». وهذه ليست قناعة (الإسرائيليّين) فحسب بل هي مطلب أغلب المسؤولين العرب حيث قال لي كلّ واحدٍ منهم إنّه لا بدّ من تدمير «حماس» في غزّة. وأوضحوا أنّه إذا اعتُبرت «حماس» منتصرةً، فإنّ ذلك سيضفي الشّرعيّة على أيديولوجيّة الرّفض التي تتبنّاها هذه الجماعة، ويمنح إيران والمتعاونين معها نفوذاً وزخماً، ويضع حكوماتهم في موقفٍ دفاعيٍّ.
ذلك هو الموقف العربي من المقاومة ليس في غزّة فحسب بل في المنطقة بأسرها، موقفٌ ضمنيٌّ يعبّر عن مدى النّفاق العربيّ الذي تمارسه تلك الدّول في ظلّ ارتقاب انعقاد القمّة العربيّة في الرياض إلى جانب التباين الكبير في المواقف الضمنيّة والعلنيّة للرّؤساء والملوك العرب، وهذا يعني فشل القمة مسبقاً أو بالأحرى لن يكون هناك جدوى من انعقادها لطالما عبّر أصحاب القرار في الجامعة العربيّة عن مواقفهم للمسؤولين الأميركيّين ومنهم دينيس روس واذا ما أضفنا الأسباب الظّاهرة لفشل تلك القمّة وفقاً للآتي:
1 ـ التّأييد العربيّ للقضاء على المقاومة في غزّة وافتقاد الدول المطبّعة لأيّ أوراق أو وسيلة ضغط على العدوّ نتيجة استسلامها وانخراطها في مسار التّطبيع مع العدوّ.
2 ـ انتهاز فرصة الحرب في غزّة للقضاء على المقاومة التي صنّفتها دول الجامعة (بالإرهابيّة) كونها محفّزاً على الرّفض والتمرّد في وجه الطّواغيت.
3 ـ منع هزيمة الكيان الصّهيوني التي ستشكّل مقدّمةً لسقوطه وبالتالي ستؤدّي إلى تهاوي أنظمة التّطبيع في المنطقة.
وفقاً لما ذكر فإنّ انعقاد قمّة الرّياض لن يقدّم أيّ حلٍّ للعدوان على غزّة بل ستشكّل حافزاً للاستمرار بالعدوان وارتكاب المزيد من المجازر بحقّ المدنيّين الفلسطينيّين وهذا لا يعني تحقيق أمنية المطبّعين بالقضاء على المقاومة التي ازدادت شراستها مع دخولها الشّهر الثاني من العدوان على غزّة التي كسرت عملية (السّيوف الحديديّة) التي لم يتحقّق أيّ هدف من أهدافها، فبعد خمسة وثلاثين يوماً من العدوان عجز العدوّ عن القضاء على حماس والمقاومة وفشل في إيقاف عمليّات إطلاق الصّواريخ على المستوطنات وصولاً إلى العمق الصّهيوني إضافة إلى فشله في تحرير أسراه لدى المقاومة.
حتّى الساعة لا تزال المقاومة في غزّة تقول «الأمر لي» وتطلق صواريخها بتوقيتها ويواجه مقاتلوها العدوّ من مسافة صفر. وهي ليست بحاجة لتشريعها من جامعة الدّول العربيّة أو تأييدها ودعمها الذي لن يقدّم ولن يؤخّر، فلغزّة ربٌّ يحميها وينصر مقاومتها ويسدّدها تلك هي المعادلة الإلهيّة التي أثبتت بالتّجربة التاريخيّة أنّه ما من مقاومة إلّا وانتصرت وما من حقٍّ إلّا وهزم الباطل، هي قاعدةٌ ثابتةٌ لا تتغيّر ولا تتبدّل. أمّا الجامعة العربيّة التي دفنت عروبتها برحيل الزّعيم جمال عبد الناصر فلم تعد إلّا مؤسّسة وظيفيّة سُخّرت لخدمة أميركا والغرب والكيان الصّهيوني وأوكل إليها تحويل لاءات قمّة الخرطوم عام 1967 الى لاءات معاكسة حيث اللاء الأولى لا صلح أصبحت لا لمنع التّطبيع، والثّانية لا اعتراف أصبحت لا اعتراف بالمقاومة، والثّالثة لا تفاوض! لن نفاوض على التّراجع عن القضاء على المقاومة.
تلك هي لاءات الرّياض الثّلاث التي استشرست في عدوانها على اليمن على مدى تسع سنوات واليوم تحوّلت إلى متراسٍ لحماية الكيان الصّهيوني من خلال التصدّي للصّواريخ اليمنيّة التي تستهدف الكيان الصّهيوني. في قمّة الرّياض لن نشهد إلّا قرارات الثّأر من المقاومة في المنطقة والثّأر من عروبة الرّاحلين الرئيسين جمال عبد النّاصر وحافظ الأسد، والدّعم كلّ الدّعم للكيان الصّهيوني الذي سيسقط سقوطاً مدويّاً وسيتهاوون معه بعد انتصار غزّة وفلسطين كلّ فلسطين.