نقاط على الحروف

السيد…
والكلمة الفصل للميدان

ناصر قنديل
– قرأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حجم التحول الاستراتيجي الذي مثلته عملية طوفان الأقصى، وأن ما قبلها لن يكون كما بعدها، وقرأ حجم الهلع الذي أصاب الكيان كتجمع استيطاني وكيان سياسي ومؤسسة عسكرية وأمنية، واستخلص معادلة استحالة مواصلة الكيان لحياته دون رد فعل بحجم حرب كبرى، وسجل في صفحاته كيف هرع الغرب كله للاصطفاف في هذه الحرب الوجودية، وقرّر أن رسم الاستراتيجية المقابلة لن يكون في الأيام الأولى، وما يجب في الأيام الأولى هو إشعال النار وفتح منصات التدخل وتهيئتها لكل الاحتمالات.
– خلال أسبوعين كانت معالم الصورة قد أصبحت واضحة، وظهرت للحرب المركبة عدة منصات، أولها ميدان الحرب الرئيسي في غزة، والثاني ميدان الإسناد الأميركي والغربي، والثالث ميدان الشرعية والمشروعية وميدانه السباق على الشارعين العربي والعالمي، والرابع ميدان التفاوض وفيه عنوان وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى، واتخذ موقع الثقل في وسط الحرب، جبهة غزة تتولاها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها قوات القسام، وجبهة المساندة الأميركية والغربية تتولاها المقاومة في اليمن والعراق، وحرب الشرعية والمشروعية تحقق الفوز بها ثنائية التوحّش في حرب القتل والتدمير التي يخوضها جيش الاحتلال من جهة، وبقاء فلسطين عنواناً للحرب من جهة موازية، ومسار التفاوض تديره المقاومة في فلسطين ويحفزه مسار الشرعية والمشروعية وضغط الشارعين العربي والعالمي، ويضبط توقيت الحرب الكبرى على فشله وإعلان إقفاله.
– خلال أسبوعين لاحقين كانت كل المنصات تعمل وفقاً لما رسمته قواعد الاستراتيجية. وكان أول الواجب اعتماد تكتيك «تفعيل النار وإطفاء الأضواء» في كل حرب رديفة خارج فلسطين، وخلال الأسبوعين الخامس والسادس، تمّ تثبيت الاستراتيجية، وبدأت حرب الشرعية والمشروعية تؤتي ثمارها بتفعيل مسار التفاوض. والمقاومة في فلسطين ثابتة ومقتدرة، وجبهات الإسناد تؤتي ثمارها أيضاً ويتراجع الأميركي ويبدأ الغرب بالانسحاب من الشراكة في الحرب، ويقع الاحتلال في الحصار، بين جبهة الشمال وجبهة الجنوب، وخسائر لا تُعوّض في الميدان السياسي الدولي والإقليمي، وضغوط في جبهته الداخلية لأولوية التفاوض طلباً للرهائن، وعجزه عن تحقيق نصر عسكري. والمقاومة في لبنان ظهير مثلث، للمقاومة في غزة عبر إشعال جبهة الشمال وما تؤديه، وظهير للعراق واليمن في تعطيل مفاعيل جبهة الإسناد الأميركي والغربي، وايلات وما أدراك ما إيلات، والحاملات وقد أعددنا لها عدتها، وظهير لحرب المشروعية بالتراجع خطوتين إلى الوراء بعيداً عن الأضواء، والتقدم خطوة إلى الأمام في الميدان.
– العين يجب أن تكون على الميدان، والسلاح هو الوقت، معادلتان أطلقهما السيد نصرالله في خطاب يوم الشهيد، وقبل أن يترك السيد منبره كان الميدان قد بدأ يتكلم، وها هو كل يوم يقول الجديد، ولم تعُد المعادلات ترسم في الخطاب بل في الميدان ويشرحها الخطاب اللاحق، وفي الميدان صعود متسارع على سلم التصعيد، فقد مرّ على الحرب ستة وثلاثون يوماً، والاحتلال يريد تكرار حرب بيروت في اجتياح 82، بالقتل والحصار والسعي إلى ترحيل المقاتلين، وتلك الحرب امتدت تسعة وستين يوماً، من 11 حزيران إلى 21 آب 1982، والباقي إذن ثلاثة وثلاثون يوماً هي مدة حرب تموز 2006 التي انتصرت فيها المقاومة الإسلامية في لبنان، وها هي حرب السيد تبدأ، تحت ضوء منخفض، ولهيب يشتعل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى