اللجنة العربية لحقوق الإنسان تسحب عضويتها من المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة
وجهت رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان د. فيوليت داغر رسالة إلى رئيسة المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة باولا نارفايز أعلمتها فيها بسحب عضوية اللجنة العربية لحقوق الإنسان من المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وجاء في الرسالة الآتي:
“بعد التحية، أسمحي لي بداية سيدتي أن أخاطبك باللغة العربية، فهي واحدة من لغات الأمم المتحدة الرسمية، ولغتي الأمّ التي أفتخر بها.
جئتك برسالتي هذه بعد انتظار ما يقرب من شهر على مضض، والألم يعتصرني مما شاهدت وسمعت من أهوال ما يحدث في قطاع غزة من فلسطين المحتلة. مما اقترفته قوات الاحتلال الإسرائيلية بمساعدة أميركية من قتل ودمار وعدوان وحشي (فقط خلال الساعات الماضية أحصي ارتكاب 19 مجزرة) ألقيت خلاله ما يفوق قوة قنبلة نووية. أمام أعين العالم، جرى تدمير ممنهج للمساكن فوق رؤوس ساكنيها وللمستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس والمخابز ومصادر المياه والطاقة الشمسية. لقد هجّر أكثر من مليون ونصف المليون شخص من بيوتهم، بعضهم افترش العراء وآخرون لجأوا لمدارس الاونروا وإلى المستشفيات التي هي أيضاً استبيحت حرماتها ودمّر معظمها. كما منعت الممرات الإنسانية لدخول المساعدات الغذائية والدوائية، بما حرم أهل غزة من أبسط مقومات الحياة من ماء وغذاء ودواء. أما النذر اليسير الذي توفر منه، فكان جزء منه منتهي الصلاحية وفاسداً.
آخر الأرقام بين يدي وهي ليست الأخيرة، كون الأعداد في تزايد سريع، تبيّن أنّ عداد الشهداء تجاوز العشرة آلاف، أكثر من نصفهم أطفال، ما عدا المصابين الذين بلغوا أكثر من ضعفي عدد الشهداء، والمفقودين ومن بقوا تحت الأنقاض لعدم توفر إمكانية انتشالهم، بلغوا 2350 مفقوداً، أكثر من نصفهم أطفالاً أيضاً.
لن استرسل بالأرقام، كي لا يغيب عن بالنا أنّ حياة كلّ فرد بحدّ ذاتها تساوي الكثير بقيمتها، كما بالنسبة لعائلته. وطبعاً، لن ننسى الأسرى الذين انتزعوا من بين أهاليهم دون سبب وجيه، ويعانون حالياً، مع من سبقهم من آلاف آخرين من أسرى ومعتقلين، من العزل دون أبسط مقومات الحياة، ومن سوء المعاملة والتعذيب حتى الموت.
هذه المجازر، التي هي جرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية، لم تواجه للأسف الشديد بما يرتقي لمستوى المسؤولية وللقانون الإنساني الدولي، عند من أنيط بهم حماية المدنيين من مؤسسات أمم متحدة. كما لم تجد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من رادع، استجابة للمبادئ والمثل التي دافعنا عنها كحقوقيين. بحيث بانت المواثيق والمعاهدات والمقررات الدولية ليس أكثر من قوقعة فارغة وحبر على ورق، وهي التي أقرّت أنّ لسائر البشر الحقّ في الأمن والكرامة والدفاع عن النفس وتقرير المصير. التعاطي كان حسب موازين القوى ومعايير مزدوجة، رغم مظاهرات طافت أرجاء العالم، ومحاولات قمع بعضها ومنعها من التعبير عن رأي الشارع. لقد سُمعت التنديدات والمناشدات لوقف العدوان، ولم تلتزم دولة الاحتلال بأيّ منها، مثلما لم تلتزم من الأساس بقرار قبولها بالأمم المتحدة.
إزاء ما سبق ذكره، وعدم التحرك المسؤول والمجدي للأمم المتحدة، التزاماً بمبادئها وبما أنيط بها من مهام، أخاطبكم كرئيسة لجمعية حازت على الصفة الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي منذ 17 يناير/ كانون الثاني 1998، وبالإتساق مع ضمير ومعايير أخلاقية وإنسانية، كما مبادئ وقيم دافعنا عنها طيلة حياتنا، لأعلن لكم قرارنا بسحب عضوية اللجنة العربية لحقوق الإنسان من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مؤمنين بأنّ الدم المُراق سيكون رغم كلّ المظالم عنوان انتصار فلسطين وتحريرها من الاحتلال”.