هل يوقف قرار قمة الرياض العدوان على غزة؟
} د. محمد سيد أحمد
لا يزال العدوان الصهيوني على غزة هو الحدث الأبرز على الساحة الدولية، فأمام الهمجية الصهيونية التي تفوّقت على نفسها، كما أشار الرئيس بشار الأسد في كلمته أمام قمة الرياض، تراجعت وتضاءلت كل الأحداث التي شغلت الرأي العام العربي والعالمي، فلم نعد نسمع ولا نرى عبر كل وسائل الإعلام أخبار الحرب الروسية – الأوكرانية التي استحوذت على اهتمام الرأي العام العالمي لما يزيد على العام ونصف العام متصلة، وتراجعت بقوة أخبار الصراع في السودان بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وميليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، وتلاشت أخبار الانقلاب العسكري في النيجر على محمد بازوم الرئيس الموالي للغرب والمنفذ للأجندة الفرنسية، ولم يعد أحد يذكر ما يحدث في ليبيا واليمن وسورية والعراق ولبنان، وتوقف الحديث نهائياً عن الملف النووي الإيراني، وغيرها من الأحداث والأخبار التي كانت تستحوذ على المساحة الأكبر فيما تبثه الآلة الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية.
فما فعلته وتفعله الآلة العسكرية الصهيونية من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة دون شفقة أو رحمة، لدرجة أن العين اعتادت على رؤية دماء الأطفال والنساء والشيوخ، والنعوش التي تحمل أجسادهم الطاهرة بعدما فارقتها أرواحهم، جعل هذا الحدث هو الأكبر والأعظم الذي يهز الضمير الإنساني ويحرك الجماهير المنددة بالعدوان حول العالم، وجعل وسائل الإعلام حول العالم عاجزة عن استبعاد وتهميش الحدث الجلل، بل أجبرت الآلة الإعلامية الدولية على وضع الحدث في بؤرة التركيز والدلالة، وفقاً لما يُعرف بفقه الأولويات، لذلك لا يمكن أن نبتعد عن الكتابة المتواصلة وللأسبوع السادس على التوالي عن غزة وما تشهده من عدوان، فما هو الجديد هذا الأسبوع؟!
بالطبع استحوذت أعمال القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية التي عقدت في الرياض لبحث العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، على اهتمام الرأي العام العربي والعالمي ولما لا والمجتمعون يشكلون ما يزيد على ربع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يوحي بإمكانية التأثير خاصة إذا أسفرت القمة في بيانها الختامي عن قرارات واضحة وحاسمة. وهنا وجب التوقف أمام نص البيان الختامي للقمة (الذي أعطوه عنواناً على أنه قرار، وبالطبع هناك فارق كبير بين البيان والقرار، لأنّ الأخير يستوجب شيئاً هاماً للغاية وهو قوة التنفيذ). وبالطبع قبل تحليل محتوى القرار الصادر عن قمة الرياض للإجابة عن التساؤل الرئيس المطروح في عنوان هذا المقال: «هل يوقف قرار قمة الرياض العدوان على غزة ؟!»، تجب الإشادة بقوة اللغة الخطابية للزعماء العرب والمسلمين المشاركين في هذه القمة، حيث اتسمت الكلمات بعبارات الشجب والتنديد والإدانة للممارسات العدوانية الإسرائيلية بصورة فاقت كل القمم السابقة.
ولنذهب الآن مباشرة إلى محتوى القرار الذي تمّت صياغته في سبع صفحات، تضمّنت الصفحة الأولى العنوان، والصفحة الثانية والربع الأول من الصفحة الثالثة على مقدمة تتضمّن الشكر للدولة المضيفة للقمة ثم التأكيد على جميع قرارات كلّ من المنظمة الإسلامية والجامعة العربية بشأن القضية الفلسطينية وجميع الأراضي العربية المحتلة، وعلى قرارات منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إزاء القضية الفلسطينية، وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وحقه في استقلال أراضيه المحتلة منذ العام 1967 والتي تشكل وحدة جغرافية واحدة، والتأكيد على أنّ السلام العادل والدائم والشامل يشكل خياراً استراتيجياً لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وذلك لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحلّ القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. هذا بالطبع إلى جانب بعض النقاط الأخرى، لكن ما يهمّنا هو التوقف في هذه المقدمة أمام عبارتين هامتين هما (حق الشعب الفلسطيني في استقلال أراضيه المحتلة منذ العام 1967)، وكأنّ المجتمعين يقرون بحق العدو الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل عام 1967، ثم عبارة (حلّ القضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين) تعطي العدو الصهيوني الحق أيضاً في إقامة دولة يهودية صهيونية على جزء من الأرض العربية الفلسطينية، وبالطبع هذه الديباجة تعترف بالعدو وتفرط في الحق التاريخي للشعب العربي الفلسطيني في كامل أراضيه المحتلة من البحر إلى النهر.
وإذا انتقلنا إلى نص القرار والذي بدأ من الربع الثاني من الصفحة الثالثة وحتى نهاية الصفحة السابعة، فقد تضمّن 31 بنداً لن نتوقف أمامها جميعاً لكننا سوف نتوقف أمام أبرزها، فكلّ البنود التي تناشد المنظمات الدولية والمجتمع الدولي وتتوسّل إليه لوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لا فائدة منها بعد مرور 36 يوماً لم يتحرك ساكن ولم يرجف جفن لهذه المنظمات وهذا المجتمع الدولي المزعوم، وهو يشاهد قتل الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد بواسطة الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة، وجاء البند الأول (إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. والمطالبة بضرورة وقفه فوراً) وبالطبع لم يذكر لنا القرار آلية التنفيذ، ما هي الضغوط التي ستمارسها الدول العربية والإسلامية لإجبار العدو الصهيوني على وقف المجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري ضد الشعب الفلسطيني على حد وصفهم؟
وجاء البند الثالث في المقطع الأول ليؤكد على (كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري)، وبالطبع هذا كلام عظيم لكن نعود لنكرّر ما هي آلية تنفيذ ذلك؟ وما هي الضغوط التي ستمارس على العدو الصهيوني للسماح بمرور المساعدات الإنسانية التي رفض وماطل في مرورها خلال الأيام الماضية؟ وهنا يأتي المقطع الثاني من البند الثالث ليشير للآلية المقترحة وهي (دعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»)، وبالطبع نجد هذه الآلية ترمي بالكرة بعيداً عن الدول العربية والإسلامية حتى تتهرّب من المواجهة مع العدو الصهيوني، على الرغم من علمهم بأنّ هذه المنظمات عاجزة عن التنفيذ، بل وفي بعض الأحيان متواطئة مع العدو لأنّ المسيطر على هذه المنظمات هي الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الداعمة للعدوان على غزة، والتي أرسلت بوارجها البحرية وحاملات طائراتها بكامل أسلحتها لحماية العدو الصهيوني.
ولسنا في حاجة لمزيد من القراءة والتحليل في محتوى قرار قمة الرياض للإجابة عن السؤال المطروح هل يوقف قرار قمة الرياض العدوان الصهيوني على غزة؟! الإجابة القاطعة لا، فالقمة لم تنجز أيّ آلية واقعية لوقف العدوان على غزة، ولم تتخذ قراراً يمتلك قوة التنفيذ، وهذا ما أشار إليه الرئيس بشار الأسد في كلمته حيث أكد أنّ وقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية يتطلب (أن نمتلك أدوات حقيقية للضغط فلا معنى لأيّ خطوة نقوم بها أو خطاب نلقيه، والحدّ الأدنى الذي نمتلكه هو الأدوات السياسية الفعلية لا البيانية، وفي مقدمتها إيقاف أيّ مسار سياسي مع الكيان الصهيوني بكل ما يشمله المسار السياسي من عناوين اقتصادية أو غيرها لتكون عودته مشروطة بالتزام الكيان بالوقف الفوري المديد لا المؤقت للإجرام بحق كلّ الفلسطينيين في كلّ فلسطين، مع السماح بإدخال المساعدات الفورية إلى غزة)، وعلى الرغم من وضوح هذه الآلية وتضمّنها قراراً يمتلك قوة التنفيذ لم يلتفت المجتمعون إليها، عند صياغة القرار النهائي والذي جاء خالياً من أي خطوات عملية للضغط على العدو الصهيوني لوقف عدوانه على غزة، لذلك نقول لك الله يا غزة، ولا سبيل إلا المقاومة حتى النهاية فإما النصر أو الشهادة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.