سقط الردع وسقطت قواعد الاشتباك؟ تغيير جيواستراتيجي كبير وخطير!
ناصر قنديل
– خلال سنوات ما بعد عام 2005 بالنسبة لغزة وعام 2006 بالنسبة للبنان، بدأت القيادات السياسية المتعاقبة على حكومات كيان الاحتلال بدعم من القيادات العسكرية والأمنية، تسوّق لمعادلة فكرية قوامها أن التساكن مع قوة حماس جنوباً وحزب الله شمالاً، يمكن أن يوفر استقراراً أمنياً كافياً لضمان اقامة آمنة للسكان في مستوطنات الشمال ومستوطنات غلاف غزة، وبيئة مناسبة لانطلاق النشاط الاقتصادي، خصوصاً ان مستوطنات غلاف غزة تؤمن نسبة عالية من المنتجات الزراعية للأسواق الإسرائيلية، بينما الشمال عمق تقليدي اقتصادي منذ غيابه عن الحروب العربية الإسرائيلية.
– عملياً تقوم معادلة الردع وما يرافقها من قواعد اشتباك على فرضية جوهرها استبعاد نشوب الحرب، لأن معادلة الردع تعني أن كلاً من الطرفين المتقابلين عبر الحدود يدرك أن الخسائر الناجمة عن التورّط في حرب أكبر بكثير من الأرباح المرتجاة منها. وتتولى قواعد الاشتباك تحديد المدى الذي يتقبله كل طرف من أعمال حربية للطرف الآخر دون الذهاب إلى الحرب. وهكذا كانت جولات المواجهة التي شهدتها جبهات الجنوب والشمال خلال سبع عشرة سنة، تدور تحت سقف معادلة الردع وضمن قواعد الاشتباك، حتى جاءت عملية 7 تشرين الأول، لتقول بالنسبة للإسرائيليين، مستوطنين وجيشاً ومخابرات وحكومة ومعارضة، إن معادلة الردع وقواعد الاشتباك لم تكن كما افترضوها إطاراً صالحاً للتساكن، بل إطارٌ لتستكمل حماس استعداداتها لشن حرب.
– على جبهة الشمال، يجري كل يوم رفع لسقف قواعد الاشتباك، حيث راح حزب الله يوسّع مدى نيرانه أفقاً وعمقاً، لتشمل أفقاً كل نقاط الجبهة وليس مزارع شبعا فقط، وتمدّد عمقاً من القشرة الى أعماق توسّعت إلى 2 فـ 3 فـ 6 كلم ثم بلغت في يوم واحد ما يقارب الـ 40 كلم، وتلتزم «إسرائيل» بالقواعد الجديدة التي كان يكفي السعي لفرض واحدة منها لإشعال حرب، وتتساكن «إسرائيل» مع القواعد الجديدة مؤقتاً نظراً لأنها وحدها من عليها دفع فاتورة عدم الذهاب الى الحرب، بسبب انخراطها في حرب غزة وعجزها عن خوض الحربين معاً. ومن وجهة نظر المستوطنين والجيش والحكومة والمعارضة، فإن ما جرى على جبهة الشمال يقول إن معادلة الردع سقطت فلم يقم حزب الله الاعتبار لخطر نشوب حرب بتجاوزه قواعد الاشتباك القديمة، وقواعد الاشتباك سقطت، وتمّ فرض قواعد جديدة يستحيل قبول اعتمادها بعد انتهاء الوضع القائم في الجنوب، لأنها تعني إنهاء السكن الآمن، وإنهاء فرص الحياة الاقتصادية، في كل المساحة التي تحرّكت عليها نيران حزب الله.
– ما يجري في الشمال يقول من وجهة نظر إسرائيلية جامعة، إن الاطمئنان إلى معادلة الردع وقواعد الاشتباك كان زائفاً، فقد قالت التجربة إنه عندما تكون هناك اعتبارات تدعو حزب الله لتجاوز معادلة الردع والسعي لفرض قواعد اشتباك جديدة، فإنه لن يتردّد في إشعال الجبهة، بحيث لا يعود الاستقرار السكاني والاقتصادي ثمرة معادلة الردع وقواعد الاشتباك، بل رهينة مشيئة حزب الله. وهذا يعني أن المستوطنين يصعب أن يعودوا وأن النشاط الاقتصادي يصعب أن يُستعاد.
– ما جرى منذ 7 تشرين هو عملياً الدخول في حالة حرب قد لا تتدحرج الى حرب كبرى، لكن طالما أنه يصعب التوصل الى أرضية سياسية مشتركة لوقفها، حيث يتقابل فريقان لا يرى كل منهما مكاناً للاعتراف بأي مشروعية وشرعية للطرف المقابل، وتصبح حال الحرب القائمة مجالاً مفتوحاً على هدنة أو أكثر، وحرب استنزاف أو أكثر، لكن ليس على قاعدة التساكن مع استقرار تصنعه معادلة الردع وقواعد الاشتباك، بل مع انتظار لحظة مناسبة لحرب فاصلة.