طوفان الأقصى وإسقاط المشروع الأميركي في سورية
د. حسن مرهج*
بالنظر إلى طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفي عمقه عملية طوفان الأقصى، فإنّ سورية ورغم حربها المستمرة بعناوين متعددة، إلا أنها لم تكن بعيدة عن عمق الصراع مع «إسرائيل» الارتباطات الفلسطينية حيال ذلك، ولن نقول بأنّ عملية طوفان الأقصى جاءت وفق توقيت سوري أو إيراني، فالمقاربة ينبغي أن تنطلق من مستويات جديدة في التحليل، على مبدأ ما بعد السابع من تشرين الأول ليس كما قبله.
سورية التي عانت خلال عقد كامل من حرب أميركية إسرائيلية. هي حرب كانت تستهدف سورية الموقع والدور الإقليمي المتوازن حيال ملفات المنطقة، وكذلك الدور السوري الفاعل والمؤثر في عموم ملفات المنطقة ومؤثر أيضاً على الولايات المتحدة و»إسرائيل» على السواء، وهنا لا نتحدث أمنيات، بل ننطلق من وقائع غاية في الوضوح وقد افرزتها تطورات الملف السوري في الأشهر الأخيرة.
واقع الحال يؤكد بأنّ سورية وحرب التقسيم التي شُنت عليها باتت ماضياً لجهة تقسيم الجغرافية السورية، والعناوين السياسية والعسكرية تمّ تحييدها جراء جملة من المعطيات السورية والإيرانية والروسية، وهنا لا ندّعي بأنّ سورية تجاوزت أزمتها، بل سورية لا تزال في عمق الأزمة وتواجه عناوين أميركية اسرائيلية جديدة، لكن الإستراتيجية السورية المعتمدة على النفس الطويل وإسقاط الملفات بالقطعة وراء القطعة، ستكون كفيلة بالانتصار على عناوين الحرب الأميركية الإسرائيلية الجديدة ضد دمشق.
طوفان الأقصى سيكون بلا ريب عنواناً مفصلياً للشرق الأوسط، وعلى أعتبار أنّ دمشق لم ولن تتخلى عن القضية الفلسطينية، فإنّ ذلك له تأثير مباشر على الملف السوري، ولا بدّ من العودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً لجهة ما يحدث في جنوب سورية في السويداء، ووصولاً إلى الشرق حيث القواعد الأميركية، وما بين هذا وذاك ثمة قاعدة التنف والمنطقة الحدودية بين سورية والعراق.
ربطاً بما سبق، فإنّ الغاية الأميركية الإسرائيلية من العناوين الجديدة ضد دمشق، إنشاء كيان جنوب سورية ويتمّ ربطه بالتنف إمتداداً الى قطع الطريق الحدودي بين سورية والعراق، تمهيداً لاعلان كيان أميركي يتمّ من خلاله الشروع الحقيقي والفعلي بتقسيم الجغرافية السورية، لكن كما قلنا فإنّ ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله، فاليوم لم تعد الهلوسات الأميركية وأذرعها في سورية في موقع الراصد والمتحكم بالأحداث، واليوم فإنّ واشنطن لم تعد قادرة على إغلاق الحدود السورية العراقية، أو تشكيل حزام ناري يمتدّ من الجنوب السوري إلى التنف إلى الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي، وبذات التوقيت فإنّ واشنطن لم تعد قادرة على فرض ما يُسمّى مناطق حظر جوي، وتشكيل إدارات مناطقية، وتدريب قوات على يد الأميركي.
طوفان الأقصى أصاب واشنطن بالإعياء، وأصاب مشروعها في سورية بالإنكسار، دليل ذلك أنّ الوجود الأميركي ناهيك عن التوسع والحزام الناري والمشاريع والمناطق العازلة وتلك الهلوسات الأميركية في سورية والعراق، بات تحت تهديد أشدّ من أيّ وقت مضى، بل ويمكن القول إنّ مقرّرات قمة أستانا التي عقدت في طهران قبل عام من الآن، قد باتت الآن موضع التنفيذ العملي والكامل، وعلى رأسها طرد الأميركي من المنطقة، مع تفعيل أدوات سياسية وعسكرية جديدة، تضع حداً للهلوسات الأميركية والغربية عموماً، ومن ثم الإنتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها تفعيل الإستراتيجية السورية المعتمدة على إسقاط واشنطن رويداً رويداً بمساعدة إيران وروسيا وضمناً الصين.
ما نريد قوله صراحة، إنّ كلّ مخططات تقسيم سورية بشكلٍ نهائي عبر أحزمة ناسفة أميركية وعبر غيرها من الأدوات، باتت في حكم الماضي، سقطت وفق توقيت طوفان الأقصى، وبالمحصلة لا شك بأنّ الولايات المتحدة تمتلك من الأدوات ما يزعج سورية ومحورها، إلا أنّ واشنطن لا تحتمل على الإطلاق أن ترى جنودها في توابيت طُبع عليها في توقيت دمشق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية