أولى

91 عاماً من الصراع في سبيل الأمة السورية

سماح مهدي_
لم تكد بلادنا تنفض عنها غبار الاحتلال التركي الذي استمر أكثر من أربعمئة سنة، حتى جثا على صدرها احتلال جديد توزع بين قوتين استعماريتين جديدتين هما بريطانيا وفرنسا. فساد تشاؤم قتل العزائم وأرهق النفوس، وتفشّى في جميع أنحاء الأمة السورية.
ولا نذيع سرّاً إذا ما قلنا إنّ الواعين والمتنبّهين من أبناء الأمة كانوا الأكثر تشاؤماً من غيرهم، وذلك لقدرتهم على قراءة المشاكل بجميع أنواعها، مما أوصلهم إلى مرحلة اليأس الشامل.
ويَرد في تاريخ الحزب السوري القومي الإجتماعي أن أحد المتنوّرين في بلادنا، وهو الدكتور رئيف أبي اللمع قال لمؤسس الحزب الشهيد أنطون سعاده «إذا أمكنك أن تجمع عشرة رجال على مبدأ عشرة أيام فقط، فقد أتيت أمراً عجيباً».
لم يطل الأمر حتى كان السادس عشر من تشرين الثاني عام 1935، وهو التاريخ الذي أُعلن فيه عن اعتقال قوات الاحتلال الفرنسي لزعيم الحزب والقيادة المركزية، معلنة بذلك انكشاف أمر عمل حزبي سريّ منظم استمر ثلاث سنوات متواصلة.
شكلت حادثة الاعتقال مناسبة لإشهار وجود الحزب الذي طالما انتظرته الأمة السورية. فمرحلة العمل السري كانت ضرورة ملحّة كي يَصلُب عودُ الحزب، إذ أن سعاده لم ينشئه ليبقى سريّاً، بل لينتشر ويقوى ويقود البلاد كلها إلى النصر والفلاح.
لم يكن يخطر ببال أحد أنّ سورية التي تعاقبت عليها احتلالات، وضربتها عصبيات دينية ومذهبية وعرقية، وحال دون نهوضها انحطاط في الأخلاق وانتشار للمثالب وانعدام للثقة، أنها قادرة على أن تبعث حقيقتها العظيمة من مرقدها، لتستردّ عنفوانها وكِبَرها، وتستعيد مكانتها بين أمم العالم العظيمة.
نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي في بداياته بين طلبة الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأميركية في بيروت لاحقاً) فكانوا البذور الصالحة المنتجة التي منها نمت فروع الحزب، وانتشرت في طول الأمة السورية وعرضها معلنة انبثاق الفجر من بعد الليل، وخروج الحركة من الجمود، وانطلاق قوة النظام من وراء الفوضى. معلنة أننا أصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية، وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم: الحرية والواجب والنظام والقوة التي ترمز إليها الأطراف الأربعة للزوبعة الحمراء.
انتشرت عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأمة كانتشار أشعة الشمس في الظلام. فانتمى إلى صفوف النهضة عشرات الآلاف من أبناء البلاد مسقطين كلّ حدود وهمية بينهم، ومزيلين كلّ حواجز بين مختلف المذاهب والطوائف، ليتوحّدوا في قومية واحدة ونظام واحد.
بطبيعة الحال، لم يلائم هذا الانتشار الواسع للحزب أعداء الأمة المتربصين بها من كلّ حدب وصوب. فبات الحزب هدفاً مُوَحداً لكلّ الصعوبات التي لم تتمكن من كسره أو حتى ثنيه عن متابعة الصراع ذوْداً عن أمته وتحصيناً لها في مواجهة كلّ خطر.
فعلى الرغم من توزع تلك الصعوبات بين أرض الوطن ومناطق عبر الحدود حتى كاد الناس يعتقدون أنّ نكبة عظيمة أصابت الحزب فقضت عليه. ليتضح لهم لاحقاً أنّ النكبة حلّت بالمغتاظين من الحزب الذي ازدادت صفوفه تماسكاً وقوة، وزاد إقبال السوريين على الانتماء إليه. وخير دليل على ذلك الاجتماع الذي جرى في الأول من تشرين الأول من العام 2023 في دار سعاده الثقافية والاجتماعية في عاصمة النور – ضهور الشوير لألف منتمٍ إلى صفوف النهضة السورية القومية الاجتماعية، أقسم كلّ واحد منهم يمين الانتماء في فرعه الحزبي وفقاً للأصول خلال العام المنصرم.
فعلى الرغم من مضيّ أحد وتسعين عاماً على تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلا أننا لم نيأس من الحياة، فنحن أبناؤها. ولم تَخنّا قوّتنا، بل ازدادت. ولم تهن عزيمتنا، بل قويت.
إنها أحد وتسعون عاماً من الصراع في سبيل أمتنا السورية، قبضنا فيها على عقيدتنا كالقابض على الجمر، تمسكنا خلالها بمؤسسات حزبنا ودستوره وقوانينه ونظامه تمسكاً صان الحزب وحماه. فأصبحنا – كما قال أديبنا القومي سعيد تقي الدين – اليوم أكثر عدداً منا بالأمس، وأقلّ من الغد. ننمو كلما ولدت نساء بلادنا أطفالاً وزاد تفهّم مواطنينا لمبادئنا. ننمو كلما استطال النخيل في بغداد، وكلما أمرع العشب في الغوطة الدمشقية، وكلما تزنّرت جذوع الأرز بحلقة جديدة. ونضيف إلى ما قاله، أننا ننمو كلما نضجت حبة زيتون في نابلس، وكلما تكوّنت لؤلؤة داخل محارة في جون الكويت، وكلما نمت نبتة زعتر في الأردن، وكلما أشرقت شمس على تمثال زينون الرواقي في لارنكا…
*ناموس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى