حرب الاستقلال الثانية… نكبة 48 معكوسة والضرب بالنقاط وليس بالقاضية!
} محمد صادق الحسيني
سواء أدركت حماس (وكتائب القسام) أم لم تدرك، وأظنها أدركت، بأنّ طوفان الأقصى قد فتح الباب واسعاً، أمام حصول تحوّل جوهري في العمل العسكري والسياسي والديبلوماسي وحتى الفكري والثقافي في العالم.
وسواء عملت ذلك بعلم مسبق أو جاءتها هدية ربانية، وأظنها – على الأقلّ الجناح القسامي – بأنها كانت تقصد بذلك أن تنقل الصراع بينها وبين العدو من حرب على الحقوق وتحقيق الإنجازات المحدّدة والمعلومة الحال الى حرب مفتوحة على آفاق التحرير المفتوحة الآفاق والمآلات.
لم ينتبه أحد، إلا ما ندر، ولم يعلق أو يتوقف أحد، إلا ما ندر، على جملة مفتاحية قالها رئيس وزراء العدو في أول ردّ فعل انتقامي غاضب على «طوفان الأقصى» عندما قال: «نحن نخوض حرب الاستقلال الثانية»!
هذه الجملة تلخص كلّ الذي حصل يوم 7 أكتوبر المجيد، والإنجاز التاريخي العظيم الذي حققته كتائب القسام في ذلك الفجر الجهادي الاستثنائي الفريد…
ما حصل في ذلك اليوم هو انّ القساميين والجهاديين والمقاومة أصابوا الكيان في مقتل .
أيّ قضوا على أصل فكرة تأسيس الكيان في العام 1948، ما يعني أنهم عملوا لهم نكبة معكوسة، وليس فقط نكسة حزيران معكوسة!
فالكيان الذي اسمه «إسرائيل» في النهاية هو عبارة عن مستوطنات أو مغتصبات او كيبوتسات، سمّوها ما شئتم، وميليشيا تحرسها سُمّيت بـ «جيش الدفاع الإسرائيلي»!
هذه هي فكرة «إسرائيل» وروح «إسرائيل»، لا أكثر ولا أقلّ، وهي النسخة المحدّثة عن فكرة «إسرائيل» الأولى التي أسّسها الانجلو ساكسون في شرق أميركا – بدايةً، مع 13 مستوطنة على أرض كنعان الهندية كما سمّوها وقتها، ثم أسّسوا عليها أيّ على جماجم 112 مليون هندي أحمر «إسرائيل» الأولى، كما سمّوها هم أيضاً، والتي أفرزت في ما بعد الولايات المتحدة الأميركية الحالية…
هذه الفكرة تمّ هزّها هزاً عنيفاً وأصيبت بمقتل يوم 7 أكتوبر المجيد وبدأ جسمها ينزف بقوة بعد طوفان الأقصى مباشرة…
هذا الزلزال العظيم في ظلّ عالم متحوّل كنا نعيشه على كلّ المستويات الفلسطينية والإقليمية والدولية، ايّ من تحوّلات الداخل الفلسطيني حول المسجد الأقصى وصولاً الى حرب أوكرانيا، جعل من الصعب لأيّ معركة او سيناريو حرب تحرير سواء كانت جاهزة أو ينبغي أن يُعدّ لها، أن يُمضى بها دون الأخذ بعين الاعتبار ما حصل من إعصار الأقصى الكوني..
نقول إعصاراً بل زلزالاً كونيّاً لسبب بسيط، لأنّ العالم الغربي الأطلسي منه وغير الأطلسي كله حضر فوراً إلى فلسطين حيث ساحة العمليات، للدفاع عن الروح الشريرة التي أصيبت في مقتل وتتعرّض لمحاولة النزع الكلي.
بناء على هذا المستحدث الهائل حضرت أو استحضرت مقولة الحرب أو الانتصار بالنقاط، وهي المقولة التي تحدّث عنها السيد حسن نصرالله بدراية وعناية ودقة متناهية.
فالعدو صار مجروحاً في الصميم وقام باستجماع كلّ قواته وأصبح على أهبّة اليقظة والتأهّب والقتال بكلّ شراسة في مواجهة لا مكان فيها للعقل الحربي التقليدي أبداً، ولن يكون…
ومن هنا كان لا بدّ من مواجهته بحرب الاستنزاف، أيّ المزيد من الإمعان في تقطيع أوصال جسمه الكلي، وتركه قطعاً متناثرة تنزف على الأرض ما دام فيها رمق حياة إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة…
هذه الاستراتيجية، أضحت خطة أركان غرفة عمليات المقاومة المشتركة الجديدة.
أيّ كسر إرادته وتقطيع أوصاله وتمزيق جيوشه، الداخلية والخارجية بالقطعة وليس بالجملة، ومنع تواصلها وتشتيث قواها ومشاغلتها بشكل مستمر في مواجهة لا هوادة فيها حتى تحين ساعة الضربة القاضية.
هذا النوع من القتال بحاجة الى عقل بارد، وروح متسامية عن مجرد الانتقام، ولكن أيضاً الى حزم لا تردّد فيه مطلقاً بأنّ الهدف النهائي بات قريباً ألا وهو الإجهاز على الجسم الجريح، بعد أن بدأت روحه تفيض على دفعات…
لقد قال لهم الشهيد القائد ياسر عرفات يوماً ما مضمونه، أن تفاوضوني اليوم وتلبّون طلباتي (دولة فلسطينية بحدود 67) أسهل عليكم من تأجيل ذلك، لانّ من سيفاوضكم في المستقبل سيكون محمد بن عبد الله، وحينها ستكون المهمة لديكم صعبة جداً أو شبه مستحيلة.
ها قد جاء اليوم الذي يفاوضهم فيه يحيى السنوار،
والسنوار يفاوضهم اليوم باسم الأمة جميعاً، وليس باسم فلسطين وحدها.
أيّ أنه وهو يوجعهم في غزة ويقطع أوصالهم فرداً، وكذلك تفعل جبهات المقاومة الأخرى كلّ على حدة ولكن متصلة، إلا أنه يفاوضهم جمعاً ايّ بقوة الأمة كلها سيفاً بظهره وسنداً له، من بحر قزوين، ومضيق هرمز الى باب المندب وصولاً الى البصرة وبنت جبيل.
إنها معركة بقواعد حربية جديدة مستحدثة تحضر لأمر عظيم…
بالنقاط يتمّ تقطيع أوصال الكيان حتى تحين لحظة ساعة انتزاع روحه مرة والى الأبد بالضربة القاضية.
بعدنا طيببن قولوا الله…