اتفاق الهدنة والتبادل إعلان فشل الحرب
ناصر قنديل
– ثمة حقائق يعرفها بنيامين نتنياهو والفريق الحاكم في كيان الاحتلال في المستويين السياسي والعسكري، ويحفظها المعنيون في الكيان عن ظهر قلب. أولها أن صفقة الهدنة والتبادل هي عكس الأهداف المعلنة لحكومة الاحتلال وجيشها مع بداية الحملة التي بدأتها تل أبيب وواشنطن قبل ستة وأربعين يوماً تحت عنوان حرب مفتوحة حتى اجتثاث حركة حماس وإنهاء وجودها العسكري ومؤسساتها الحكومية، والإفراج عن الرهائن دون مقابل ودون قيد أو شرط، تحت طائلة تحريرهم بالقوة، ما يعني أن الإعلان عن الصفقة هو أول إعلان رسمي جامع لصناع القرار في تل أبيب وواشنطن بفشل الحملة.
– الحقيقة الثانية هي أن هذا التحوّل لم يجر بسبب الحملة العسكرية، كما قال نتنياهو، وهو يكذب كعادته، ذلك أن حركة حماس منذ البداية تقول بوقف إطلاق النار أو هدنة إنسانية شاملة قابلة للتمديد، وتبادل جزئي أو شامل للرهائن والأسرى. وكان نتنياهو الواثق من أن حملته ستحقق أهدافها قد قال علناً إن مفهوم الهدنة الإنسانية عنده بالساعات لا بالأيام، ولمناطق ضيقة جغرافية لا تتعدّى ممرات الذل التي فتحها لتهجير سكان شمال غزة نحو جنوبها، وأنه كان يماطل في التفاوض حول قبول مبدأ التبادل، أملاً بأن تصدق توقعاته وتقارير مخابراته عن وجود الرهائن في قبو كبير تحت مجمع الشفاء الطبي، ولم يرضخ للتبادل إلا بعد سقوط رهاناته وفشل حملته. وبكل أريحية تستطيع المقاومة أن تقول إنه لولا إفشالها للحملة العسكرية الأميركية الإسرائيلية لما كان ممكناً للصفقة أن تُبصر النور.
– الحقيقة الثالثة التي يعرفها نتنياهو ومعه قادة الجيش والمخابرات، هي أن ما تضمنته الصفقة عن تمديد الهدنة ربطاً بالمزيد من التبادل يعني حكماً أن الحديث لا يدور عن عدة أيام، بل عن أكثر من ذلك بكثير. وفي وسائل الإعلام في الكيان من يقول إنه بقياس ما تقوله حماس عن تعقيدات توثيق حال الرهائن بعد الدمار الذي تسبّب به القصف الإسرائيلي لغزة، فإن الوصول لكشف مصير آخر الرهائن سوف يستغرق أطول الوقت، وسوف يكون الاحتلال مجبراً على التمديد ثم التمديد، طالما أنه ارتضى مبدأ أن أولوية الإفراج عن الرهائن تتقدم على مواصلة الحرب. وهذا يعني أن تمديد الهدنة حتى إنهاء التبادل، أو إنهاء أغلب ملفاته، بينها الإفراج عن العسكريين الأسرى لدى حماس مقابل الأسرى في سجون الاحتلال، يشكل نصراً كاملاً لحماس بتحقيق أبرز أهدافها، وفقاً للأهداف المعلنة لعملية طوفان الأقصى، وفي طليعتها حلّ قضية الأسرى عبر التبادل.
– يعرف نتنياهو والفريق السياسي والعسكري الحاكم في تل أبيب وواشنطن، أنه بعد هدنة ممتدّة ومن ضمنها التبادل، سوف تصبح العودة إلى الحرب أشد تعقيداً، سواء لجهة الثقة بالقدرة على تحقيق نصر لم يتحقق في ذروة الاندفاعة الممتدة لشهر ونصف، فكيف يتحقق وقد صار جيش الاحتلال رهينة للمقاومة في المناطق التي تمدّد إليها وانتشر فيها داخل غزة، وبعدما تكون قد أعادت ترتيب صفوفها وذخائرها وشبكات اتصالاتها ورممت ما أصيب خلال ما مضى من أيام العدوان، وبعدما يكون الترهل قد أصاب جيش الاحتلال وافتقد الزخم الذي بدأ به الحملة، وبعدما بدا ثابتاً وواضحاً أن خسائر الكيان السياسية هائلة عبر العالم شعوباً وحكومات، ولا تحتمل المزيد، وأن الحرب هي سبب هذه الخسائر، وبعدما تكشف أيام الهدنة حجم الكارثة الإنسانية في غزة، وحجم خسائر جيش الاحتلال التي تم إخفاؤها خلال الحرب.
– الهدنة والتبادل إعلان فشل الحملة الحربية التي قرّرها بنيامين نتنياهو وجو بايدن قبل خمسة وأربعين يوماً.