«طوفان الأقصى» يخمد فتيل «الحرب الروسية ـ الأوكرانية»
} بتول قصير
مثلت عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية “حماس” في قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضدّ الكيان الصهيوني في مناطق عديدة، أكبر تهديد لوجود الكيان الصهيوني الغاصب الذي لم يشهد له مثيلاً منذ حرب أكتوبر عام 1973.
هذا الهجوم المباغت لحماس، وضع دولة الاحتلال الإسرائيلي في مأزق من الخيارات العسكرية التي باتت تقليدية، والتي لم تعد تحدث فارقاً في مسار الصراع مع المقاومة في فلسطين. وأدّى الهجوم الى تزايد التوترات في الشرق الأوسط، وسط مخاوف بشأن اندلاع حرب جديدة في المنطقة، وهو ما قد يؤثر على مسار الحرب الروسية – الأوكرانية، خاصة بعد تحويل الولايات المتحدة الأميركية الدعم العسكري واللوجستي والإقتصادي إلى تل أبيب، وحشدها لقوة عسكرية ضخمة في البحر المتوسط لمساندة الأخيرة في حربها ضد حماس.
وعلى الرغم من مسارعة واشنطن لتقديم الدعم لحليفتها الاستراتيجية، إلا أنّ هذا التصعيد أتى على خلاف الرغبة الشديدة لإدارة بايدن الذي يسعى لمنع اندلاع صراعات في المنطقة، نظراً لحاجة الولايات المتحدة إلى التركيز على الصراع في روسيا، وإعادة ضبط استراتيجيتها الدولية في الشرق الأوسط، في سياق تنافسها المحموم مع الصين ورغبتها في تكريس قيادتها الدولية.
ومع اشتداد وتيرة الصراع في القطاع من جهة وتوسع نطاقه على محاور عدة، فإنّ عملية «طوفان الأقصى» ساهمت في تشتيت الانتباه الدولي عن الحرب في أوكرانيا، وحرفت مسار الاهتمام عنها مما ساعد ذلك روسيا على تخفيف الضغط الدولي عليها بسبب الدعم الغربي لأوكرانيا منذ نحو عامين.
ومع انشغالها بالحرب المتواصلة في أوكرانيا، تتابع روسيا تطورات المواجهات الدائرة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي في ظلّ تواصل عملية «طوفان الأقصى» التي أثرت بشكل واضح في زخم تغطية الحرب على أوكرانيا في وسائل الإعلام الروسية، وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي اتهم روسيا بتوفير دعم لحركة حماس بطريقة أو بأخرى.
وموسكو التي جاء موقفها على نحو تقليدي من العملية وكان مفاده الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وإدانة العنف في غزة دون إدانة محدّدة لطرف، وتغليب الحوار والديبلوماسية، مع التأكيد على مسألة حلّ الدولتين، أو تحديداً إقامة دولة فلسطينية كاملة عاصمتها القدس. وجدت في الالتفاف حول سياسة التوازن التي تتبعها، فرصة تدين بها واشنطن عبر تحميلها المسؤولية. إلا أنّ موقفها المتصاعد والراجح لكفة حماس، من خلال تقديم روسيا لمسودة قرار في مجلس الأمن، تمّت عرقلته من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وإنكلترا واليابان، يدين فيه بشدة العمليات الإسرائيلية الوحشية ضدّ المدنيين في غزة.
بموازاة ذلك، يتجلى لنا ثابتان أساسيان يمكن ملاحظتهما من المواقف الروسية، أولاً، تحميل الولايات المتحدة المسؤولية التامة عن الحرب في غزة، وثانياً، اتزان المواقف والترجيح لصالح حماس. وبالتالي، تكون روسيا أصابت عصفورين بحجر واحد، عبر تحميل واشنطن مسؤولية الحرب في غزة وإزهاق أرواح الفلسطينيين، مما يخفف تدريجياً الضغط الدولي على موسكو بُعيد غزوها أوكرانيا، ويدين الولايات المتحدة المتشدّقة بحماية حقوق الإنسان. ومن ناحية ثانية، فإنّ تقليص الدعم الغربي لأوكرانيا، سيساهم في تحقيق التوازن العسكري على أرض المعركة، الأمر الذي يعدّ من أهمّ المكاسب الروسية الأساسية الناجمة عن طوفان الأقصى.
وعلى نحو آخر، ستستفيد روسيا، المنتج الرئيسي للنفط، من ارتفاع أسعار النفط الخام وسط عدم الإستقرار في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أنّ الصراع بين الكيان الصهيوني وحماس سيكون بمثابة عامل جذب للمناطق المجاورة، مما سيضاعف حجم الأرباح للنفط الخام الروسي، خاصة أنّ موسكو تخطط لتعزيز الإنفاق الدفاعي بشكل كبير في عام 2024.
أضف إلى ذلك، فقد عملت روسيا على تشكيل جبهة دولية داعمة لها لا سيما من الدول العربية والإسلامية، بعدما تراجع التعاطف والدعم الشعبي لروسيا بعد حرب أوكرانيا. معتبرة أنّ عملية طوفان الأقصى ما هي إلا دليل على أنّ الغرب غير مهتمّ بحقوق المسلمين، وأنّ سياساته في الشرق الأوسط تتسم بالإزدواجية مما أضعف موقف الغرب في المنطقة. علاوة على ذلك فإنّ روسيا عملت على المحافظة على علاقاتها الاقتصادية القوية مع الدول العربية، ومحاولة إرسال رسالة قوية أنّ الرهان على روسيا رهان صائب وذلك في ضوء الالتفاف العالم العربي والإسلامي نحو القوى الآسيوية الصاعدة وإدارة ظهره لواشنطن.
ختاماً، يمكن القول إنّ عملية “طوفان الأقصى” جاءت في وقتها المناسب بالنسبة لموسكو، إذ يتيح لها إزاحة تحديات وضغوط قوية عليها منذ غزوها لأوكرانيا. الأمر الذي ساعد في تشتيت الانتباه الدولي عن الحرب الأوكرانية، حيث تحوّلت وسائل الإعلام العالمية إلى تغطية الأحداث في فلسطين، وتشديد لهجة روسيا بتحميل المسؤولية والتواطؤ الأميركي -الأوروبي على المجازر الإسرائيلية في غزة والعنف في المنطقة بصفة عامة، والذي انعكس إيجاباً على تعزيز دورها وموقعها بالنسبة للدول العربية والإسلامية الداعمة للقضية الفلسطينية.