دولة على الأراضي المحتلة عام 67 أم القرار 181
ناصر قنديل
ثغرات كبيرة وخطيرة في المرجعية القانونية والأخلاقية في المشروع الفلسطيني والعربي لمفهوم الدولة الوطنية المستقلة، حيث يبدو المفهوم ثمرة لمساعي التأقلم مع روح الهزيمة ترجم بتلفيق قانوني بدون مرجعيات. وقد بدأ مسار التأقلم مع شعار جذاب وبراق هو القرار الوطني الفلسطيني المستقل، الذي رفع تحت شعار رفض ما قالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات إنها محاولات سورية للوصاية على القرار الفلسطيني، ولم ينتبه الفلسطينيون الذين خاضوا معارك سياسية وعسكرية تحت هذا الشعار بدعم من نظام أنور السادات في مصر، ولاحقاً من كل ما سُمّي لاحقاً بحلف الاعتدال العربي، أنهم كانوا يبتلعون الطعم الذي سوف يستظل به هؤلاء العرب للقول، تلك قضيتكم فافعلوا بها ما تشاؤون، ونحن سوف نفعل ما يناسب قرارنا الوطني المستقل. ومثلما شكل الشعار الغطاء الذي احتاجه النظام المصري والنظام الأردني لتوقيع اتفاقيات سلام دون استرداد غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية التي تمّ احتلالها، وهي في عهدة الجيشين المصري والأردني، وهذا منافٍ لأبسط القواعد القانونية والأخلاقية، شكل شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل غطاء الذهاب العربي إلى التطبيع لاحقاً، بعدما غسل النظام العربي يديه من أي مسؤولية تجاه فلسطين.
بالتوازي مع شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولد شعار الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 67، أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وبالرغم من أننا من دعاة التمسك بكامل الحقّ الفلسطيني على كامل تراب فلسطين، لأن الأمر لا يتّصل فقط بحق فردي لكل فلسطينيّ غير قابل للتفويض ولا التنازل، بل لأنه أيضاً عندما يقبل بنزع الهوية الفلسطينية عن الأرض المحتلة عام 48، فهو يقبل السردية الصهيونية عن حق مزعوم ببناء وطن قومي لليهود في فلسطين. وهذه السردية لا يمكن قبولها ورفضها في آن، لأن جوهر السردية يتصل بالضفة الغربية والقدس، شرقها قبل غربها، ولكن من باب السجال المنطقي يطرح السؤال نفسه بعد أربعين سنة من طرحه، هل توجد مرجعية قانونية للشعار، والأراضي المحتلة عام 67 وفق القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن يفترض أن تعود للدول التي تمّ انتزاعها من سيادتها، وليس للأمر صلة بقيام الدولة الفلسطينية. وفي القانون الدولي شيئان ثابتان في الحالة الخاصة بفلسطين والفلسطينيين، هما حق العودة وحق تقرير المصير، حتى لو تصدر حولهما قرارات عن الأمم المتحدة، وهذا يعني ضمان حق العودة للفلسطينيين، ثم إيجاد إطار يتيح لهم ممارسة حقهم بتقرير مصيرهم، دون أن يملك أحد حق الوصاية المسبقة بحاصل ممارسة هذا الحق.
حق العودة وتقرير المصير يفترض أن يكون هو الإطار القانوني الذي تخاطب عبره القوى الوطنية الفلسطينية المجتمع الدولي، لا أي شيء آخر، ولكن من باب السجال أيضاً، وطالما أن الحديث عن حل الدولتين رائج هذه الأيام، فإننا نسأل دعاة الدولة على أرض الـ 67، هل هناك قرار أممي واحد يتحدث عن هذه الدولة ليتم اتخاذ هذا القرار مرجعاً؟ والجواب هو بالنفي، بينما هناك ثروة قانونية يملكها الفلسطينيون يتمّ التفريط بها مجاناً، تتمثل بالقرارين 181 و194 الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 1948 و1949، وهما القراران اللذان ارتبط قبول عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة بتعهدها بتنفيذهما، والقرار 194 ذائع الصيت وهو يتصل بضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن خسائرهم. أما القرار 181 فهو القرار الأمميّ الوحيد الذي يتحدّث عن إنشاء دولة عربية ودولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية بين البحر والنهر، بحيث تضم دولة فلسطين العربية ضمن مساحة 11 ألف كيلومتر مربع، الضفة الغربية وقطاع غزة بمساحة ستة آلاف كيلومتر مربع، ومعها خمسة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي المحتلة عام 48 تضمّ الجليل وضمنه عكا وكل الشريط المحيط بالقدس غرباً حتى أطراف غزة، وإذا كان لا بدّ للقوى الوطنية الفلسطينية من تبني مشروع يلاقي المناخ الدولي الذي يتحدث عن تسوية سياسية يقوم على حل الدولتين، يمكن للدول الصديقة تبنّيه، فلم لا يكون حل الدولتين على أساس القرار 181 الذي يمتلك مرجعية قانونية لا يمتلكها مشروع دولة على الأراضي المحتلة عام 67؟ وبالرغم من ادراكنا بان كل الحديث عن حل سياسي لن يبصر النور، فإننا لا ندعو لعدم امتلاك مشروع يحاكي منطق الدول التي تقول إن لا بد من حل لهذه القضية يستند الى قرارات الشرعية الدولية، طالما ان هناك قراراً مثل القرار 181 ومعه القرار 194، ويمكن للحركة الدبلوماسية بتسويقهما أن تشكل جواباً على السؤال من جهة، وإحراجاً قانونياً للدول المساندة لكيان الاحتلال، وتغطية لمشروعية المقاومة في كل الأراضي التي يسمّيها القرار 181 بأراضي الدولة الفلسطينية العربية، بل نكاد نقول إنه اذا اتيح تنفيذ القرارين 194 و181 معاً، فإن تنفيذهما سوف يتكفل بخلق ديناميكية تنتهي بنهاية كيان الاحتلال.